نفط العراق… بين الأزمات السياسية وطموحات التطوير

0
1104

يعتبر ملف النفط في العراق احد أبرز الملفات الخلافية التي قد تضر بمصالح العراق الذي يسعى الى تحسين وتطوير هذا القطاع الذي يعتبر أهم مورد اقتصادي، وذلك من استكشاف وتطوير الحقول النفطية وفتح باب الاستثمار للشركات العالمية التي أسهمت وبشكل فاعل برفع صادرات العراق النفطية كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان استمرار الخلاف السياسي بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان وباقي الحكومات المحلية التي ترغب بفتح باب الاستثمار او إبرام الصفقات بشكل فردي قد يسهم بتعطيل الكثير من المشاريع والخطط الاستثمارية المهمة في البلاد، خصوصا وان الحكومة الاتحادية تعتبر العقود النفطية الموقعة بين حكومة اقيلم كردستان او أي حكومة محلية اخرى وبين شركات النفط العالمية العاملة عقود غير قانونية استنادا الى أحكام الدستور العراقي الذي ينص على أن النفط العراقي ملك لجميع العراقيين، وبالتالي فإن تطوير المصادر النفطية والتصرف فيها يقع ضمن اختصاص ومسؤولية الحكومة العراقية الاتحادية حصرا وفي هذا الشأن قال وزير الموارد الطبيعية لكردستان العراق إن الإقليم ينوي مد خط أنابيب ثان إلى تركيا في العامين المقبلين فيما يعزز الاقليم انتاجه بشكل مستقل عن بغداد.

وقال الوزير آشتي هورامي في مؤتمر للقطاع في اسطنبول إن طاقة الخط الثاني ستبلغ مليون برميل يوميا على الأقل وسيجري استكماله في غضون 18 إلى 24 شهرا. وأضاف أن الاقليم يهدف في النهاية إلى انتاج ثلاثة ملايين برميل يوميا من النفط للتصدير. وتابع بمجرد ارتفاع الانتاج سنحتاج إلى التوسع. لذا نخطط لمد خط أنابيب جديد. نأمل في استكمال هذا الخط خلال 18 شهرا إلى عامين. وتتودد تركيا بشكل متزايد لكردستان العراق فيما تسعى لتعزيز أنشطتها في قطاع النفط والغاز في خطوة أغضبت الحكومة المركزية في بغداد التي تقول إن لها وحدها سلطة السيطرة على صادرات النفط العراقية.

وقال هورامي إن ستة حقول أخرى ستبدأ الانتاج في المنطقة بنهاية العام الأمر الذي سيعزز طاقتها الانتاجية إلى 400 ألف برميل يوميا من 300 ألف حاليا. وسيخصص نحو 100 ألف برميل من هذه الكمية للاستهلاك المحلي بينما ستنقل الكمية المتبقية في شاحنات عبر تركيا لأسواق التصدير في ترتيب قال هورامي انه لن يستمر طويلا.

وأضاف سنواصل القيام بهذا حتى استكمال خط الأنابيب (الأول). وبمجرد الانتهاء من الخط سيرتفع انتاجنا بسرعة كبيرة. وذكر هورامي أن اقليم كردستان الواقع في شمال العراق سيبدأ في مراقبة انتاجه بمجرد افتتاح خط الأنابيب الأول مع تركيا وقال إن هذا الخط سيرتبط مع خط الأنابيب القائم كركوك-جيهان ويستخدم طاقته غير المستغلة. وأردف من حسن الطالع أن هناك طاقة فائضة كبيرة في هذا الخط (كركوك-جيهان) وسنستغلها.” بحسب رويترز.

الى جانب ذلك قالت بغداد إنها مازالت تعارض بقوة خطط كردستان العراق لمد خط أنابيب مستقل إلى تركيا مصرة على أن حق تصدير الخام يقتصر على الحكومة المركزية. وقال حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة إنه نقل وجهة نظر بغداد إلى وزير الطاقة التركي تانر يلدز. وأبلغ الشهرستاني تركيا على علم ببواعث قلق العراق ورفضه التام لتلك الخطة. ذكرنا تركيا بأن هذا انتهاك للاتفاق المبرم بين البلدين والذي ينظم صادرات العراق عبر خط الأنابيب التركي. وأكدت لنا تركيا أنهم يحترمون ذلك الاتفاق ولن يسمحوا بتصدير الخام العراقي بدون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.

أولى الخطوات

في السياق ذاته بدأت محافظة نينوى في شمال غرب العراق محادثات مع شركات نفط وإعداد شروط لجذب الاستثمار في احتياطياتها الكبيرة من النفط والغاز وهي خطوات من المؤكد ان تغضب الحكومة المركزية. ويقول محافظ نينوى أثيل النجيفي إن اهتمام بغداد ينصب على حقول النفط العملاقة في الجنوب ولا تعير اهتماما لتنمية الموارد في محافظته.

وقال إن نينوى ليست مستعدة للانتظار لعقود إلى أن ينفد نفط الجنوب حتي تبدأ استثمارات الطاقة في المحافظة. وتابع يقول إنه التقى مع اكسون موبيل وشركات نفط كبرى اخرى لمناقشة فرص الاستثمار. وأضاف أنه استمع إلى اقتراحات الشركات بشأن افضل السبل للاستثمار في نينوى لكن لم يتم توقيع أي اتفاقيات.

وفي وقت سابق منح مجلس المحافظة المحافظ تفويضا لتوقيع اتفاقات مع شركات نفط اجنبية بشكل مستقل عن بغداد التي سارعت إلى رفض الخطوة. وتقول حكومة العراق إنها صاحبة السلطة الوحيدة في البلاد بشأن التنقيب عن النفط والغاز وتصديرهما. وقال مسؤول كبير في ذلك الحين الحكومة لن تتسامح مع مثل هذا القرار سواء من نينوى او من أي محافظة أخرى. لكن ذلك لم يمنع المحافظة من أن

تحذو حذو اقليم كردستان شبه المستقل في انتهاج سياسة مستقلة بشكل متزايد بخصوص الطاقة.

وقال النجيفي إن المحافظة ستبدأ الاستثمارات النفطية وستعطى الأولوية لأنشطة المصب وقد يتبعها استثمارات أوسع في عمليات المنبع. وأعد المحافظ لوائح يمكن أن تسمح لمستثمرين أجانب بتقديم عروض لمشروع متكامل لبناء مصفاة بطاقة 150 ألف برميل يوميا وتطوير حقل نفط يغذيها. وقال إن المحافظة بها نحو 20 حقل نفط جرى اكتشافه ولم يستغل وثمة احتمالات لوجود موارد ضخمة لم تكتشف بعد.

واضاف إنه عندما تعمل شركات نفط كبرى في المحافظة فمن المؤكد أن يعود ذلك بفوائد اجتماعية ويوفر وظائف ومكاسب اقتصادية. وتخوض كردستان المتاخمة لنينوى نزاعا منذ فترة طويلة مع الحكومة المركزية في بغداد بشأن العقود التي وقعتها حكومة الاقليم مع شركات لتطوير حقول شمالية. واغضبت اكسون بغداد بتوقع اتفاقات للتقنيب عن النفط في ست مناطق امتياز في كردستان في 2011 من بينها منطقتا بعشقة والقوش وهما في أراض تتنازع عليها نينوي وكردستان.

وذكر النجيفي أن نينوى على استعداد للتنسيق والتعاون مع كردستان في إدارة مناطق امتياز وحقول نفط مشتركة لضمان أن تعود الفائدة على الطرفين. وأضاف أنه يريد أن يوضح أولا أن منطقتي بعشيقة والقوش جزء من محافظة نينوى ولكنه لا يستطيع فعل شيء تجاه العقود الكردية التي لا يمكن أن تلغى. لكنه قال إن المحافظة تخطط للاستفادة من هذه الاتفاقات بالحصول على حصة من إيرادات الخام الذي يتم إنتاجه. بحسب رويترز.

وقال النجيفي إن نينوى تتعلم من رحلة كردستان نحو الاستقلال في مجال الطاقة. وأضاف أنه ينبغي أن تستفيد المحافظة من تجربة الاقليم في الاستثمار في الطاقة وتتبع أيضا نفس المسار الدستوري والقانوني الذي مضى فيه في رسم سياسة الطاقة. وقال إنه لا يحق للحكومة المركزية أو وزارة النفط منعه من تطوير موارد الطاقة بالمحافظة مضيفا أنه إذا اعترض أي منهما على تفويض المحافظة له وعلى العقود المستقبلية فعليه اللجوء إلى المحكمة الاتحادية. واضاف أنه سيتم تشكيل لجنة من الخبراء قريبا لإعداد سياسة للطاقة للمحافظة وتجهيز الأسس القانونية والفنية للمحادثات المقبلة مع المسؤولين الأكراد.

العراق في 2014

الى جانب ذلك قال مسؤول كبير بقطاع النفط العراقي إن بلاده تتوقع عودة قوية إلى النمو بالقطاع العام المقبل في حين تدفع الشركات الأجنبية العاملة بالحقول الجنوبية

الإنتاج نحو أعلى مستوى له على الإطلاق. وقال ثامر غضبان رئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء العراقي إن من المتوقع أن تزيد الإمدادات بما لا يقل عن 500 ألف برميل يوميا إلى 3.5 مليون برميل يوميا في المتوسط مع تسارع نمو إنتاج حقل مجنون الذي تديره شركة رويال داتش شل وحقل غراف الذي تقوده بتروناس الماليزية وحقل الحلفاية الذي تديره شركة بتروتشاينا.

وفي الشمال من المنتظر أيضا أن يتم تشغيل حقل بدرة الذي تديره جازبروم نفت الذراع النفطية لشركة جازبروم الروسية. وقال غضبان إنه إذا زاد الإنتاج 500 ألف برميل يوميا خلال عام 2014 واستقر سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل سيكون ذلك إيجابيا مقارنة بهذا العام. ورجح غضبان وهو وزير سابق للنفط أن يبلغ متوسط الإنتاج في العام الحالي أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا بزيادة طفيفة عن عام 2012 لكنه قال إن من المرجح أن يصل معدل الإنتاج بنهاية العام إلى مستوى 3.5 مليون برميل يوميا.

وبلغت صادرات النفط العراقية 2.4 مليون برميل يوميا هذا العام لكنها تراجعت إلى مليوني برميل في وقت سابق لتصل إلى أدنى مستوى في 19 شهرا. وتسببت أعمال الإصلاح والتوسعة في مرفأ البصرة النفطي الاستراتيجي في خفض شحنات خام البصرة الخفيف الذي يشكل معظم إيرادات بغداد من التصدير. وقال غضبان إن هذا الأمر قد انتهى وإن الصادرات آخذة في النمو. وفور استكمال توسعة المرفأ بحلول منتصف عام 2014 فسوف يمد العراق بطاقة تصدير بحرية قدرها أربعة ملايين برميل يوميا. بحسب رويترز.

وذكر المسؤول النفطي العراقي أنه إذا تم التغلب على العقبات الكثيرة المتعلقة بالسياسة والبنية التحتية فقد يرتفع الإنتاج العام القادم مقتربا من أربعة ملايين برميل يوميا ليتجاوز المستوى القياسي الذي سجله العراق في عام 1979 عندما بلغ الإنتاج 3.8 مليون برميل يوميا. لكنه أضاف أن هذا السيناريو مستبعد مشيرا إلى أن إنتاج أربعة ملايين برميل يوميا هدف يصعب تحقيقه وأن الوصول بمتوسط الإنتاج خلال العام إلى 3.5 برميل يوميا سيكون أكثر واقعية.

نفوذ الصين

من حقول النفط الجنوبية العملاقة إلى أسواق البصرة التي تموج بالنشاط يزداد وجود الصين في العراق عمقا. وتحت ضغط تعطشها للنفط استطاعت بكين تأمين مركز ضخم لها في قطاع الطاقة العراقي من خلال المزادات التي طرحتها بغداد منذ أربع

سنوات. وتسعى الصين الآن لشراء 850 ألف برميل يوميا من النفط العراقي وهو ما يعادل 30 في المئة من صادرات البلاد النفطية المتوقعة لعام 2014.

وواجهت الصين في البداية صعوبات مع بغداد حتى تحتل هذا المركز المهيمن في حقول البلاد النفطية. وتغير هذا الوضع حينما استطاعت الصين تحقيق زيادة سريعة في إنتاج النفط وهو ما ساهم في دفع العراق ليحتل المركز الثاني في إنتاج الخام في منظمة أوبك بعد السعودية بعد مشكلات وانقطاعات في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد في عام 2003.

وقال ثامر الغضبان رئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء العراقي إن الصينيين شركاء تجاريون للعراق في إدارة وتطوير حقول النفط التي تعد عراقية بالكامل لذا لا يوجد ما يدعو إلى مخاوف من هيمنة أو تهديدات. مضيفا أن الصين وجدت في العراق شريكا ملائما. وسيتيح شراء بتروتشاينا المتوقع لحصة قدرها 25 في المئة في مشروع الحقل النفطي غرب القرنة-1 لإكسون موبيل أن تتجاوز أكبر شركة طاقة صينية لوك أويل الروسية لتصبح أكبر مستثمر أجنبي منفرد في قطاع النفط العراقي.

وتشارك بتروتشاينا بالفعل بي.بي البريطانية في الرميلة أكبر حقل منتج للنفط في العراق وتدير حقلي الحلفاية والأحدب. وكانت أول شركة أجنبية توقع عقد خدمات نفطية في العراق بعد الغزو الأمريكي الذي أطاح بصدام حسين. واستطاعت الشركات الصينية بفضل توافر السيولة المالية والمرونة في العمل في مواجهة تصاعد العنف في العراق تحقيق زيادات سريعة في الإنتاج أفضل من الشركات الغربية.

وقال مسؤول بشركة نفط الجنوب العراقية “يعمل الصينيون بتكلفة أقل وهدوء ولا يقلقهم الوضع الأمني مقارنة مع شركات أجنبية أخرى. ويستخدمون أعدادا كبيرة من العمال لذا فإنهم يستكملون العمل دائما في الموعد المحدد إن لم يكن قبله. عندما ننصح متعاقدين آخرين أو حتى عمالنا بشأن كيفية أداء العمل فإننا نقول لهم “إعملوا مثل الصينيين.

9390

ويبدو أن بغداد منبهرة على وجه الخصوص بأداء بتروتشاينا في حقل الحلفاية في محافظة ميسان الجنوبية. فقد استطاعت بتروتشاينا بمشاركة توتال وبتروناس زيادة كميات النفط المستخرجة من الحقل الذي كان غير مستغل تقريبا لتتجاوز 100 ألف برميل يوميا ومن المتوقع أن يصل الإنتاج إلى اكثر 200 ألف برميل يوميا. وبجانب بتروتشاينا هناك شركات صينية أخرى تعمل في العراق مثل سينوبك وشركة الصين

الوطنية للحقول البحرية (سي.إن.أو.أو.سي) وهو ما يتيح لبكين ممارسة أنشطة في البلاد بأكملها من إقليم كردستان شبه المستقل في الشمال إلى حقل ميسان النفطي في الجنوب.

وتحصل شركات النفط الصينية والشركات الأجنبية الأخرى التي وقعت عقود خدمة مع بغداد على حصة من النفط الذي تنتجه مقابل أعمال التطوير التي تقوم بها. وتسعى الصين التي تجاوزت الولايات المتحدة لتصبح أكبر مستورد للنفط في العالم إلى زيادة مشترياتها من النفط العراقي 70 في المئة العام القادم. ومن المنتظر أن يؤدي ارتفاع مبيعات النفط العراقي إلى زيادة حدة المنافسة بين بغداد والسعودية أكبر بلد مصدر للخام في العالم للحصول على حصة أكبر في السوق الآسيوية المتنامية. بحسب رويترز.

وقال دبلوماسي غربي آسيا هي السوق الطبيعي للعراق فمع اقتصاد الصين القوي من الطبيعي أن تستورد بكين المزيد والمزيد من النفط العراقي وتستثمر بكثافة لتأمين المصادر. ويشير مسؤولون في صناعة النفط إلى مشروع بي.بي مع بتروتشاينا الذي ساهم في زيادة الإنتاج بنحو 400 ألف برميل يوميا إلى 1.4 مليون برميل يوميا كنموذج رئيسي للشراكة السلسة. ويحوز العراق خامس أكبر احتياطيات نفطية في العالم ويريد أن يزيد إلى الضعفين على الأقل إنتاجه البالغ ثلاثة ملايين برميل يوميا في السنوات القليلة القادمة ليتحدى السعودية في نهاية المطاف كأكبر منتج للنفط في العالم. وبالنسبة للصين فإن استغلال الاحتياطيات يشكل استراتيجية حتمية لذا فإن بكين على استعداد لقبول شروط أصعب وأرباح أقل عن الشركات الغربية وحتى عن الشركات الروسية مثل لوك.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here