اخلاقيات التغيير… النهج والطريقة والاسلوب

0
787

حيدر الجراحlarge_1238054425

في محاضرته، نبي الاسلام (صلى الله عليه واله) خير هاد للبشرية، يتناول المرجع الشيعي السيد صادق الشيرازي، لمحة من سيرة الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) والمتعلقة ببعثته النبوية في شقيها الزمنيين والجغرافيين، وهما الفترة المكية، دعوة وتبليغا ونزولا قرآنيا، ومثلها الفترة المدنية، نسبة الى المدينة المنورة، بثلاثيتها المشابهة للفترة الاولى (الدعوة والتبليغ والنزول)..

الزمانان والمكانان يعرفان لدى الدارسين للسيرة النبوية الشريفة وللمهتمين بها تاريخيا، ماقبل ومابعد الهجرة..

اللمحة التي يتناولها المرجع الشيعي، تتعلق بمقارنة لافتة للنظر، وهي عدد من دخل الاسلام في الفترتين االفاصلتين في عمر الدعوة المحمدية، ففي مكة وحسب احصاء المؤرخين بلغ عددهم مائتي شخص، على مدار ثلاث عشرة سنة هي عمر الدعوة بعد البعثة في مكة، في حين دخل مئات الالوف من الناس الاسلام في المدينة، ويشير المرجع الشيعي السيد صادق الشيرازي، ان ذلك تم خلال السنوات التسع الاخيرة من العمر المبارك للنبي (صلى الله عليه واله).. ويطرح السيد صادق الشيرازي هذا التساؤل: كيف تحقق مثل هذا الامر؟

ويجيب في محاضرته: ان هذا الدخول لم يكن معجزة وعملا غير طبيعي، بل كان نتيجة طبيعية ل (منهج وطريقة واسلوب) نبي الاسلام (صلى الله عليه واله).

ماهو المنهج؟

في اصل وضعه الاغريقي، هو (الطريقة التي يتخذها الفرد أو النهج الذي يجريه ليسرع به إلى تحقيق هدف معين).

والمنهجية، كطريقة بحث وتفكير، هي منظومة تضع المبادئ التوجيهية لحل مشكلة ما، ذات مكونات منها الأطوار والمهام والطرق والأساليب والأدوات.

ماهي الطريقة؟

انها: (الطَّرِيق – السِّيرَةُ – المذهب – الطبقَةُ – المسلك).

ماهو الاسلوب؟

هو: (الطَّرِيق – الفنُّ – السطر من النخيل وكل طريق ممتد – الوجه – المذهب). ولايفترق الاسلوب عن شخصية صاحبه. وله صفات عديدة، (الوضوح – القوة – الجمال)..

المنهج والطريقة والاسلوب، هي الاسس الراكزة التي قامت عليها الرسالة الخاتمة عبر جمعها في كلمة واحدة هي التبليغ، تبليغ الرسالة الى الاخرين وحثهم على الايمان بها من خلال مصاديقها المتحققة على ارض الواقع..

ماهو التبليغ؟

هو (الإيصال – البلوغ – الإبلاغ)، وهو (الانتهاء – الوصول – التوصيل إلى غاية مقصودة أو حدٍّ مراد ، سواء كان هذا الحدُّ أو تلك الغاية مكاناً أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدّرة معنويّاً).

استخدم القرآن الكريم مصطلحات مختلفة إلّا أنّها جميعاً تصبّ في معنى واحد من قبيل:

الدعوة، مثل قوله تعالى: في سورة نوح (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا).

الإرشاد، مثل قوله تعالى: في سورة الجن (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا).

التبليغ، مثل قوله تعالى: في سورة الأحزاب )الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا).

التبشير، مثل قوله تعالى: في سورة الفرقان (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا).

يقوم التبليغ المناط وظيفته بالانبياء على دعائم ثلاث:

(النظرة الشمولية للإنسان – عدم انتظار الأجر من الناس بل من الله -ترك النتائج لله).

المنهج والطريقة والاسلوب، هي التي قادت مئات الالوف من الناس الى اعتناق الاسلام، في تلك الفترة القياسية، وهي مدة التسع سنوات..

ويطرح السيد صادق الشيرازي سؤالا اخرا يرتبط بسؤاله السابق، من هم اولئك الناس الذين دخلوا في دين الاسلام افواجا وجماعات على عهد النبي الاكرم (صلى الله عليه واله)؟

يقسمهم السيد المرجع الى ثلاثة اقسام تبعا لمعتقداتهم التي غادروها وتركوها خلف ظهورهم وهم يعتنقون تلك الدعوة الجديدة، انهم:(عبدة الاصنام – النصارى – اليهود)..

وتلك كانت اشهر المعتقدات لدى الحواضر في ذلك الزمن، مكة والمدينة وما جاورهما..

ثم يضيف السيد المرجع، كيف اعتنق هؤلاء الاسلام دفعة واحدة. ماذا رأوا؟ وماذا سمعوا؟

التساؤل المطروح يستبطن في عمق دلالاته كيفية تحصيل المعرفة عبر حاستين هما: الابصار وتمثله العين، والسمع وتمثله الاذن.. ولا يمكن الوصول الى المعرفة دون بصر او سمع، او بواسطة واحدة دون الاخرى..

ماذا رأوا وماذا سمعوا؟

يذكر السيد المرجع في موضع اخر من محاضرته، موضوع السمع والمشاهدة، ملاحظة اخرى تفسر هذا الاقبال على الاسلام والفرق في عدد الداخلين اليه بين زمنين وجغرافيتين، يقول السيد صادق الشيرازي: (لم تخرج برامج وتعاليم وسياسة نبي الاسلام (صلى الله عليه واله) الى العلن (في مكة) فاكثر اقواله لم تطبق عمليا لان ارضية التطبيق لم تكن مهيأة بعد، ولم تتوفر بيده حيال ذلك خيارات اخرى لكي يتسنى معرفة نوع تعامله مع الناس)..

في المدينة المنورة، وبعد الهجرة اليها، اخذت تتضح صورة تلك التعاليم التي كان ينادي بها عبر تطبيقها على ارض الواقع، وهو واقع اجتماعي وثقافي وسياسي، قاوم كثيرا عملية التغيير، مثل اي مجتمع وفي اي زمن.. لكن قوة الارادة والاصرار على التطبيق الشامل للتعاليم التي تستهدف الخير للناس استطاعت ان تؤسس لهذا القبول والدخول الى الاسلام، والانخراط في عملية تغيير شامل للانسان والمجتمع..

في ذلك العهد وصل المسلمون وعبر (الطريقة والمنهج والاسلوب) النبوي في التبليغ الى الاهداف المنشودة، والتي تحققت على ارض الواقع عبر مثلث متساوي الاصلاع، يسميها السيد صادق الشيرازي (العزة – الكرامة الانسانية – الضمان

الاجتماعي) وهو نفس المثلث الذي سار عليه الامام علي (عليه السلام) في مدة حكمه القصيرة زمنيا، لكنها الفارعة فعلا وانجازا.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here