إنذار الإفلاس الاقتصادي

0
1528

برهان المفتي

الاقتصاديات النفطية ذات البعد الواحد مهددة بالإفلاس خلال السنوات الخمس القادمة.. هذا الإنذار أصدره البنك الدولي الذي يتابع تداعيات انخفاض سعر النفط العالمي وتأثير ذلك على الدول التي عماد اقتصادها هو النفط وسعر النفط ، والعراق إحدى تلك الدول. والأمر المقلق أن مثل هذه الدول النفطية (العراق – ليبيا – نيجيريا) تواجه تحديات وجودية تستنزف اقتصادها الذي يقف الآن على أرضية هشة غير ثابتة هي أسعار النفط ، فالعراق يخوض حرباً مصيرية، وهي حرب مكلفة جداً لاقتصاده الضعيف أساساً بسبب الأحادية المطلقة في هذا الاقتصاد واعتماده الحصري على النفط وسوق النفط ، في غياب تام لواردات غير نفطية تدخل الاقتصاد العراقي، فالزراعة والصناعة نشاطهما لا يحقق واردا عن طريق التصدير، بينما السياحة الدينية لا تحقق وارداً جيداً بسبب التسهيلات التي تُعطى للأفواج السياحية الدينية مثل إلغاء رسوم الزيارة (الفيزا) أو تخفيضها جداً، في الوقت الذي يمكن أن تشكل فيه هذه السياحة وارداً قوياً وبخاصة أن معظم مراكز السياحة الدينية في العراق في أماكن بعيدة عن الجبهات الساخنة وتتمتع باستقرار أمني نسبي جيد.

كما أن القطاع الخاص بعيد عن رفد الاقتصاد الوطني لأسباب عديدة ، أهمها انعدام الثقة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص. أما الأماكن السياحية الأخرى كالتأريخية والآثارية، فهي تعاني من سوء التصنيف والتطوير وانعدام عناصر الجذب السياحي فيها، إضافة إلى أن جزءاً مهماً من تلك الأماكن صار غير آمن، وجرى تدمير قسم آخر وسرقته في غياب الأمن والسيطرة على إدارة تلك المناطق.  ومما يجعل إنذار البنك الدولي أكثر خطورة هو أن المؤشرات الاقتصادية العالمية تشير إلى نمو أزمة اقتصادية كبيرة ربما تكون بمستوى أو أقوى من الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، فقراءة البيانات الاقتصادية ومراقبة حركة أسواق البورصات والتعاملات التجارية، توضح ضعف السيولة المالية العالمية وانحسارها مما أثر على حركة بيع الأسهم وأسعار الأسهم، فغياب السيولة هي العلامة الأكيدة على وجود ونمو أزمة اقتصادية ربما ستنفجر فقاعتها قريباً في وجه العالم، وستخرج منها بأقل الخسائر تلك الدول التي أسست اقتصادها على ركائز وأبعاد متعددة، ولها القدرة على إدارة اقتصادها الداخلي بعيداً عن ضغوطات الاقتصاد العالمي، ومثل تلك الإدارة لا تتحقق إلا بوجود تبادل داخلي بين القطاعين الحكومي والخاص، والثقة في القوانين، والأمن. ولسنا في مجموعة هذه الدول لأسباب إدارية وضعف القوانين والتشريعات وغياب ربط الحاضر بالمستقبل في برنامج وتخطيط سليم يعتمد المهنية والكفاءة في إطار وطني دون أي اعتبار آخر للفئوية أو للمصالح السياسية. ولكن الحلول ممكنة في حال وضع ستراتيجية اقتصادية تعتمد وجود محطات إنجازات مرحلية، لتكون الغاية الكبرى في الستراتيجية هي جعل النفط وارداً ضمن مجموعة واردات الاقتصاد العراقي، كما هي الحال الآن في اقتصاديات معينة كانت حتى وقت قريب من الاقتصاديات النفطية ذات البعد الواحد، لكنها أصبحت الآن تعتمد السياحة وإدارة المعارض وصناديق استمثارية سيادية لدفع خطر ربط اقتصادها ببعد واحد هش تتلاعب فيه مصالح متضاربة فتجعله بعداً غير آمن..وهو النفط.  وبداية الحلول هي وضع فترة زمنية محددة (ثلاثة أشهر) لإعادة ومراجعة وتحديث القوانين التي تشجع دخول القطاع الخاص في منظومة الاقتصاد الوطني العام، والتوجه إلى سياسة الزراعة المكثفة في المناطق الجنوبية الآمنة والخصبة عن طريق امتيازات وحوافز، مثلاً، تخصيص مقاعد دراسية لأبناء الفلاحين في كليات الزراعة بشرط العمل في الحقول الزراعية وتطويرها لمدة خمس سنوات، وتشجيع بناء مراكز الجذب السياحي في المناطق الآثارية الآمنة عن طريق الشراكة في إدارة تلك المناطق وأن يكون الدور الحكومي فقط دوراً إشرافياً فيما تكون الإدارة والعمليات الأخرى كلها من نصيب القطاع الخاص بنسبة تعاقدية تضمن مصلحة الطرفين بالتوازن. ومن الأمور المهمة في تطوير الاقتصاد الوطني، هي حركة نقل المنتوجات والمواد بين المحافظات، وهذه تكون من مسؤولية شركة ناقلات وطنية حديثة ومتقدمة يكون للناقلات المبردة وجود قوي فيها، لضمان نقل المحاصيل الزراعية بكفاءة عالية من الحقول، وربما تكون مثل هذه الناقلات من حصة وزارة الزراعة في شركة الناقلات الوطنية المقترحة والتي يفضل أن تكون إدارتها بمجلس إدارة فيه القطاع الخاص والحكومي. أما في النقل الجوي، فنرى، أن دولاً معينة نجحت وبامتياز في تأسيس شركات نقل وطنية (خطوط طيران متقدمة ومنافسة) فأصبحت تلك الخطوط من أهم وارادت اقتصاد تلك الدول، فالنقل عنصر حيوي في الاقتصاد، ووجود شركة طيران وطنية قوية سيكون سبباً لنشاط سياحي وإدارة مطارات كنقاط ترانزيت، وسبباً لاستثمار القطاع الخاص في بناء مرافق فندقية وإدارتها لأنها عنصر ربح أكيد في وجود حركة مطارات قوية. وقد يكون هذا التوجه مفتاحاً لعدد من أبواب واردات متعددة للاقتصاد العراقي في حال دراسة إعادة تأهيل وتحديث شركة خطوط الجوية العراقية باستثمارات عالمية وشراكات مع شركات عالمية كفوءة في إدارة الطيران والمطارات، وقد يكون تطوير مطار البصرة وجعله مطاراً عالمياً بمواصفات منافسة باباً لاستثمارات دولية واعدة، فالبصرة نقطة طيران ممتازة وطريق رابطة بين مسارات طيران عالمية وقريبة من أسواق  نشطة ومن دول الأيدي العاملة في منطقة الخليج العربي. في المحصلة، ان التحرر من التفكير في النفط كمورد اقتصادي حصري هو بداية النجاة من الإفلاس خلال السنوات الخمس القادمة، ومثل هذا التحرر هو أرضية جيدة لبناء أساس اقتصادي متعدد الركائز، يكون بعيداً عن اهتزازات البعد الواحد.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here