العراق… خطر التبديد المنظَّم للثروة

0
691

علي حسين عبيد

منذ عقود متتالية، يعاني العراقيون من سوء إدارة لثرواتهم، فيسودهم الفقر دائما، ويحيل أحلامهم الى هباء، ويقظتهم الى واقع قاهر يغصّ بالظلم، ولا يتعلق سوء الادارة في جانب السلطة فقط، وما تكيله للشعب من محن وموجات متواصلة للحرمان والفقر المدقع، بل هناك جانب آخر يرافق البطش السلطوي الذي اعتاده العراقيون، ألا وهو هدر الثروات وتبديدها بطرق مدروسة، من دون مراعاة لحقوق الاجيال القادمة، فضلا عن حقوق الشعب  حاليا.
تشير المعلومات الدقيقة الى ان ارض العراق تضم في طياتها ثروات هائلة، ويكفي التذكير بأن الاحتياطي النفطي العراقي يحتل الآن المرتبة الاولى، كما تشير تقارير متخصصة حديثة، فقد أكد مؤخرا عضو لجنة النفط والغاز النيابية عبد الهادي الحساني، أن حجم احتياطي النفط العراقي المثبت بحسب المسح الجيولوجي الزلزالي يبلغ نحو 350 مليار برميل، ليتجاوز بذلك احتياطي السعودية الذي يبلغ اكثر من 260 مليار برميل والتي تتصدر حاليا الترتيب العالمي بحجم احتياطها النفطي. كما أشار النائب نفسه إلى أن هذه الكميات من النفط تتوزع في جميع مناطق العراق تقريبا، وأكد على أن المسح الجيولوجي الزلزالي هو الذي اثبت ذلك وأن هنالك حقولا مكتشفة واخرى ليست مكتشفة حتى الان.480753_584472141570574_1308271785_n
إن بلدا لديه هذه الثروات النفطية الهائلة، لابد ان تكون موارده المالية هائلة ايضا، وهذا ما تؤكده الاموال الضخمة التي يحصل عليها العراق مقابل تصديره للنفط، كذلك تؤكده الميزانيات المليارية، حيث تجاوزت الـ 100 مليار دولارا في السنوات الماضية، ومن المتوقع ان تصل ميزانية سنة 2014 الى 150 مليار دولار، لكن الملاحظ على ادارة هذه الاموال، انها لم تنهض بالعراقيين كما يجب، بسبب الهدر الخطير الذي تتعرض له هذه الثروات، والادارة الفاشلة لها، بسبب غياب التخطيط السليم وضعف الضوابط الرادعة، وتراجع تطبيق القوانين التي تحافظ على المال العام، حيث انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية ظاهرة تعد من اخطر الظواهر، وأشدها فتكا في الانسان وقيمه واخلاقياته، فضلا عن موارده التي تتعرض للسرقة والتجاوز في وضح النهار، تلك الظاهرة التي بلغت أقصاها في الاعوام الاخيرة، وهي عبارة عن عمليات فساد وسطو على أموال الفقراء، تتم بطرائق عديدة تحمل شتى انواع الاحتيال، تقوم بها مافيات دولية ومحلية كي تنهب ثروات البلاد، فيما تعجز الجهات المعنية حتى الان في معالجة ظاهرة تبديد الثروة، كونها لا تتمكن من حماية المال العام بسبب التعقيدات السياسية والصفقات المتبادلة، وتفضيل المصالح الفردية والحزبية على مصلحة الشعب، وقد اثبتت التجارب الماضية، ووقائع واحداث كثيرة، أن الثراء على حساب الفقراء بات ظاهرة لا يستطيع احد انكارها، سواء أكان من المسؤولين او غيرهم.
إن ظاهرة تبديد الثروة ليست جديدة في تاريخ العراق، فجميع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراقيين تفننت في طرق السرقة والاحتيال والتبديد لهذه الثروات، واليوم تتجدد هذه الظاهرة، على الرغم من ان الجهات المعنية تقول بأنها تكافح الفساد، لكن ما نراه ونلمسه، أن ظاهرة تبديد الثروة لا تزال حاضرة بيننا، يرافق هذا التبديد (المنظّم)، غياب شبه تام للاستثمار، إلا بمقدار (ذر الرماد في العيون)، لأننا حتى هذه اللحظة لم نلمس ما يؤكد أن الثروات العراقية الطائلة، يتم تحويلها الى مالكها الشرعي (الشعب العراقي) على شكل مشاريع عملاقة في الاقتصاد والتعليم والصحة وما شابه، وهو الهدف الذي ينبغي ان تصر على تنفيذه الجهات الحكومية المعنية.
بمعنى لا يجوز الصمت على ظاهرة تبديد الثروة بشكل واضح بل ومدروس ومنظّم، لان الظاهرة لا تستمر طويلا اذا لم تكن مدعومة بالتخطيط، ونعني هنا ان هناك جهات متخصصة بإهدار وتبديد الثروة تقوم بتعويق الاستثمار وعرقلته، حتى يبقى فائض الاموال متاحا لها في صفقات وهمية وطرق اخرى للسرقة، يتقنها هؤلاء على حساب الفقراء، لذلك ليس امام الجهات الحكومية المعنية كي تثبت انها امينة على المال العام، سوى ان تحد بل تقضي على السرقات والتجاوزات والاهدار المنظّم للثروات العراقية، وعليها أن تقوم بفتح ابواب الاستثمار بأقصى ما يمكن، من اجل تحويل الاموال الى مشاريع كبرى تخدم الاقتصاد، على ان يُحسب حساب الاجيال القادمة، والحفاظ على حصتها من هذه الثروة، وهو حق مشروع تقوم به كل الامم والشعوب الغنية المتطورة.
لذا لا سبيل أمامنا أو امام الجهات الحكومية المعنية، لإنكار التبديد المخطط له للثروة، وعلى تلك الجهات أن تحوّل هذا التبديد المدروس للثروة، الى استثمار مدروس، يخدم الشعب في الحاضر والمستقبل، وهذا أقلّ ما يستوجب على الجهات المعنية القيام به بإرادة لا تلين.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here