عداد البورصة العراقية يقرأ: لا حرب اهلية

0
1276

منقول من صحيفة فايننشال تايمز

 

رأى خبيران اقتصاديان ان اندلاع حرب اهلية مفتوحة في العراق امر غير مرجح كثيرا كما يخبر سوق العراق للأوراق المالية. وقال مارك ديويفر وعلي البزاز في مقال تحليلي مشترك بصحيفة فايننشال تايمز، إن استمرار تدهور الوضع الامني في العراق ادى بكثيرين الى التساؤل عما اذا كان البلد ينحدر ثانية الى الفوضى. فعلى سبيل المثال تحدث تقرير نشرته نيويورك تايمز مؤخرا عن “تجدد المخاوف من عودة العراق الى العنف الطائفي الدموي الذي كاد ان يمزق البلد اربا في العامين 2006 و2007.”

وعلى اساس ما يتلقونه من اخبار، قد يستنتج مراقبون طارئون ومطلعون على حد سواء ان هذا الامر هو النتيجة الجديرة بالنظر. الا ان بعضا من المستثمرين داخل العراق الاكثر دراية والعاملين في سوق العراق للأسواق المالية التي تشهد نموا، لا يعتقدون ان الحال هكذا.

فالأسواق المالية يمكن ان تكون متنبئا جيدا بنحو مدهش، بفضل قدرتها على تجميع المعلومات من اشخاص متنوعين والدوافع التي توفرها “لتضع اموالك حيثما يكون فمك”. وهكذا، فان تنبؤ الاسواق، حيث يمكن للمشاركين ان يراهنوا على نتائج احداث معينة من قبيل انتخابات رئاسية، غالبا ما تتفوق على مستطلعي الراي.

انعكاس منحنى العائد كان من بين افضل علامات التحذير عن حدوث ركود. وقد اثبت مؤشر S&P 500 ايضا انه مؤشر اقتصادي رائد ذي قيمة.

بورصة العراق المالية، مع انها من بين اصغر البورصات في العالم بغطاء سوق يبلغ 10 مليارات دولار فقط، لعلها افضل متنبئ لما يحدث في العراق. فعلى خلاف

غيرها من الاسواق الواجهة، التي كثيرا ما يعتبرها الاجانب تمثل جزءا مهما من التعامل التجاري، فان بورصة العراق يهيمن عليها افراد مستثمرون محليون من اصحاب صافي القيمة العالية. وهؤلاء الناس هم في العادة اصحاب اعمال يتمتعون بصلات جيدة: فهم اشخاص لديهم معلومات داخلية جيدة عن الوضع السياسي وتجربة مباشرة في الظروف الاقتصادية على حد سواء. فاذا كان هؤلاء الناس لا يشعرون بالخوف فلا يمكن للأمور ان تكون بمستوى السوء الذي تريد نيويورك تايمز حملنا على الاعتقاد به، وفق ما ورد في المقال.

الجدير بالذكر ان مؤشر RSISX الخاص بوسيط الاوراق المالية العراقي، الربيع، هو اعلى بنسبة 3 بالمائة حتى هذا الوقت من العام الجاري. وهذا الاداء متواضع طبعا مقارنة بالأداء القوي بوجه عام للأسواق الواجهة في العام الحالي، لكنه ليس كارثيا. حتى الان، سوق العراق للأوراق المالية لم تهزه حتى ابشع المجازر، التي تستمر في بعض الحالات اياما عندما ضربت البلد هجمات ارهابية عدة.

والسوق المباشرة صارت اقوى ايضا. ففي اعقاب نجاح بيع ما قيمته مليار و200 مليون دولار من الحصص في مشغل الهواتف النقالة، اسياسيل للاتصالات، في شباط الماضي، يتوقع ان تطرح منافستها زين العراق اكتتابا بالحجم نفسه قبل نهاية العام الجاري. وفي الوقت نفسه، زادت البنوك العراقية المسجلة البدل الى ما يزيد عن 300 مليون دولار من خلال حصص حتى الان من العام الجاري.

وفي حين ان المستثمرين الاجانب باعوا بعضا من مقتنياتهم، يظهر ان مستثمري الاسهم المحلية العراقيين لم يبالوا بالوضع الامني وركزوا بدلا من هذا على مراقبة ارباح الشركات. ونمو ارباح الشركات كان مثيرا للإعجاب.

ولننظر الى شركة تعليب المشروبات الرائدة في العراق، شركة بغداد للمشروبات الغازية. فعائدات هذه الشركة، التي تحمل ترخيص بيبسي، في مدة نصف سنة للعام 2013 حققت اعلى من 11 بالمائة للمدة نفسها في العام 2012، عندما وصلت ارباحها الى اكثر من 50 بالمائة بفضل التحسن الكبير بالهوامش. ولأنها المفضلة لدى المستثمر طويل الامد، فان الاوراق المالية اعلى بنسبة 48 بالمائة حتى هذا الوقت من السنة، ما يستتبع نسبة سعر ارباح 14 ضعفا.

البنوك، التي تمثل عموما حوالي 80 بالمائة من حجم البورصة العراقية، تحولت ايضا الى نتائج قوية في العام الحالي. فمتوسط نمو العائدات في هذا القطاع وصل الى 36 بالمائة في النصف الاول من العام الجاري.

فاحد اكبر بنوك العراق، بنك الشرق الاوسط، زاد من ارباحه بنسبة 24 بالمائة كنتيجة للتوسع في عائدات الاستثمار بحوالي 295 بالمائة. ومن بين الشركات متوسطة الحجم، بنك استثمار العراق تضخمت ارباحه التشغيلية السنوية الى 222 بالمائة على خلفية نمو بنسبة 91 بالمائة في اسعار الفائدة والعمولات والتحسن في الفارق؛ وحقق بنك الخليج التجاري زيادة ارباح ما قبل الرسم بنسبة 128 بالمائة على 118 بالمائة في زيادة عائدات الاستثمار؛ وبنك المنصور (ومعظمه يملكه بنك قطر الدولي) حقق زيادة ارباح ما قبل الرسم بنسبة 129 بالمائة على زيادة 368 بالمائة في عائدات الاستثمار.

اذا كان العراق يوشك على العودة الى حرب اهلية مفتوحة، فمن غير المرجح ان يكون من شأن المستثمرين ان يتوقعوا استدامة مثل هذا النمو القوي في الارباح. فقد كانوا سيسحبون اموالهم. ولانهار السوق ولتدنت الحصص المعروضة هذا ان لم تلغ تماما.

لكن حتى الان لم يحدث اي شيء من هذا. اذ ان البورصة العراقية بقيت تحظى بدعم جيد والشركات المسجلة ليس لديها سوى مصاعب قليلة بشأن تكوين راس مال جديد. الواضح ان المتعاملين المحليين ما زالوا متفائلين بشان افاق الاقتصاد عموما وايرادات الشركات خصوصا.

اذن ما الذي يقول لنا سوق الاسهم العراقية؟ يبدو ان هناك رسالتين. الاولى هي ان وقوع حرب اهلية امر اقل احتمالا مما يعتقد كثيرون. والثانية هي ان الاقتصاد العراقي ينبغي ان يستمر قويا على الرغم من تجدد العنف في العام الجاري.

وعلى الرغم من كل الاخبار السيئة، فان البورصة العراقية لا تضع تسعيرتها على اساس سيناريو يوم القيامة.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here