اوبك : إستراتيجيتان لانعاش الاسعار

0
1436

كامل المهيدي – خبير وباحث نفطي

تأسست اوبك في بغداد عام 1960، وقد فوّض المؤسسون الاوائل، وهم العراق وايران والسعودية وفنزولا والكويت، هذه المنظمة بان تسعى من اجل تنسيق وتوحيد سياسات اعضائها بأتجاه استقرار سوق النفط العالمية، عن طريق تنظيم تجهيز النفط للمستهلكين، وتوفير دخل مستقر للمنتجين وعائد مقبول للمستثمرين.

ومن اجل هذه الاهداف، خاصة ما يتعلق بتوفير دخل مستقر للمنتجين، اتبعت اوبك ستراتيجية تخفيض الانتاج عندما تهبط الاسعار بسبب زيادة العرض على الطلب، وتعمل العكس عندما ترتفع الاسعار فوق ما يتحمله نمو الاقتصاد العالمي. وهي بذلك قد جعلت من نفسها منتجا متأرجحا يزيد انتاجها او يهبط، حسب متطلبات استقرار الاسعار. ولأن السعودية قد طورت طاقتها الانتاجية، من النفط االخام، لاكثر من 12 م ب ي (مليون برميل يوميا)، وهي تنتج الآن اكثر من 10 م ب ي، فهي اصبحت المتحكمة والقادرة على ارجحة الانتاج يمينا وشمالا حسب ما تقتضيه مصالحها.

ولكن بعد ان بدأت اسعار النفط في التدهور اعتبارا من ايلول عام 2014، فاجأت السعودية العالم بأنها تدعو الى استراتيجية جديدة من شأنها الحفاظ على (حصص السوق market shares) بدلا من ستراتيجية (التأرجحswing ) السابقة. و بررت ذلك بأن تخفيض انتاج اوبك يؤدي الى خسارة بعض اسواقها لصالح منتجين من خارج اوبك. كما انه يساعد النفوط باهضة الانتاج ، مثل النفط الصخري ، على البقاء في سوق المنافسة مع المنتجين التقليديين. ومع ان هذه التبريرات تبدو معقولة، لكنها بنفس الوقت تعني ان اوبك قد اختارت ان لا تفعل شيئا وتترك الامر لدينامية العرض والطلب لتقوم بتصحيح الاسعار نيابة عنها. واذا ما فشل هذا الخيار ، تكون اوبك قد اختارت ان تتخلى عن سبب وجودها وهو توفير دخل مستقر لاعضائها.

ماذا حقق هذا الخيار، او ماذا حققت هذه الاستراتيجية الجديدة، لغاية الآن؟ هذا هو ما نحاول الاجابة عليه حسب العناوين التالية.

حصص اوبك الانتاجية

أن حصص الانتاج لاعضاء منظمة اوبك لم تعد بأهميتها السابقة. فالاعضاء لا يلتزمون بها والمنظمة لا تحّدثها بأستمرار. وأحدث ما وجدناه، هي الحصص التي نشرتها أدبية (Energy Economist ( عام 2011 . واذا فرضنا ان هذه الحصص يمكن تحديثها بنسبة ارقام انتاج اوبك الفعلية لعامي 2015 و 2011، فاننا نحصل على ما جاء بالجدول المرفق رقم 1 . علما ان العراق كان قد اعفي من الالتزام بحصة انتاجية محددة منذ عام 1999، نظرا لظروفه الصعبة.

من هذا الجدول يتبين ان انتاج اوبك الكلي، في اواسط هذ العام (2015) يبلغ حوالي (31.8 ) م ب ي، بينما يبلغ مجموع حصص اعضاءها حوالي (30.5) م ب ي. أي ان الاعضاء يضخون الى سوق النفط العالمية فائضا يزيد عن حصصهم المقرة، بمقدار 1.3 م ب ي . وحسب احصائيات وكالة الطاقة الدولية (( IEA ، يقدرانتاج دول الاوبك، اواسط 2015، بحدود 31.8 م ب ي، مقارنة بحوالي 30.3 م ب ي في اواسط عام 2014، بزيادة قدرها 1.5 م ب ي، منذ بدأ تدهور الاسعار لغاية الآن. وهذه الزيادة مقاربة للتجاوز على الحصص الانتاجية خلال العام الماضي، وتدل على ان اوبك لا تحافظ على حصصها من السوق فقط، وانما تضيف اليها .

ان اكبر المتجاوزين على الحصص هم السعودية (2 م ب ي) والامارات العربية (565 الف ب ي) والكويت (400 الف ب ي). وهذه الدول الثلاث (زائدا قطر) تمثل اغنى دول الاوبك، قياسا بمؤشر الناتج المحلي للفرد الواحد (GDP/per capita) ، الذي يقدر بحدود (25000$/فرد) و(47000$/فرد) و(46000$/فرد) و (101000$/فرد) لكل من السعودية والامارات والكويت وقطر على التوالي، مقارنة ب (12000$/ فرد) لفنزولا ، وهو الرقم الاعلى بين دول الاوبك الاخرى. (احصائيات اوبك 2013 ).

انتاج السعودية والامارات والكويت ارتفع، منذ 2014، بمقدار 870 و 150و 130 الف ب ي على التوالي. اي بما مجموعه 1.15 م ب ي منذ بدأ تدهور الاسعار لغاية الآن. اما العراق (بضمنه اقليم كردستان) فقد زاد انتاجه لنفس الفترة بمقدار 890 الف ب ي، لكنه معفو من معادلة الحصص. وهذا يؤكد ان سياسة اوبك الفعلية هي زيادة حصصها من السوق بدلا من الحفاظ عليها.

في المقابل، فان ليبيا، بسبب مشاكلهاالسياسية، وايران بسبب ملفها النووي، كانتا اكثر من تحمّل عجزا انتاجيا، نسبة لحصصهم في منظمة اوبك. وبعد ان سوّت ايران ملفها النووي ، وظهرت بوادر احتمال قرب التوصل الى تأليف حكومة وحدة وطنية في ليبيا، فأن انتاج النفط من هذين البلدين ربما يبدأ بالارتفاع اعتبارا من العام القادم، وهذا يشّكل ضغطا اضافيا على اسعار النفط ، ان بقيت سياسة اوبك على ما عليه الآن.

يظهر جليّا، ان اعضاء اوبك ينقسمون الى قسمين رئيسين، الأثرياء وهم دول الخليج عدا البحرين وعمان، والمحتاجون وهم بقية اعضاء اوبك. ومن الواضح ايضا ان الاثرياء هم الذين يقودون، بينما الآخرون هم الذين يتبعون. وعلى القادة تقع مسؤولية تصحيح الاسعار.

اسعار النفط.

سّجل شهر ايلول عام 2014 هبوطا واضحا لسعر نفط (برنت)، اذ سّجل معدلا قدره 97$/ برميل مقابل معدل قدره 102$/ برميل للشهر الذي قبله. وعليه يكون شهر ايلول بداية التدهور الحقيقي لدورة هبوط الاسعار الحالية، والمستمرة لغاية الآن . ولنفس السبب يكون شهر ايلول 2008 بداية الدورة السابقة لتدهور الاسعار، اذ انخفض المعدل السعري خلاله الى 97$ / برميل، من 113$/ برميل للشهر الذي قبله (آب). US Energy Information Administration-eia)).

ولمعالجة تدهور الاسعار خلال 2008/2009 ، قامت اوبك بتخفيض انتاجها بما يقرب من ثلاثة ملايين م ب ي. وكانت النتيجة ان بدأت الاسعار تتحسن بوضوح، بعد حوالي السنة من بدأ التدهور. ففي تشرين اول 2009 ، سّجلت الاسعار معدلا قدره 73$/ برميل، واستمر المعدل الشهري بين 73 و79$/ برميل لغاية تشرين اول 2010 ، وعاد لمستواه السباق (اكثر من 100$/ برميل) بداية عام 2011.

اما دورة تدهور الاسعارالحالية فهي ما زالت مستمرة للآن (نهاية تشرين اول 2015). والملاحظ ان معدلاتها الشهرية لا تزال دون الخمسين دولار للبرميل الواحد، بعد مرور 14 شهرا على بدئها. وحسب استشراف (IEA ) فأن معدل الاسعار لعام 2016 سيكون بحدود 59$/برميل. وبموجب هذا الاستشراف، فان الاسعار تحتاج لوقت طويل، لتبلغ مستوى ما بلغته الدورة السابقة في عام واحد، وهو اكثر من 70$ للبرميل الواحد.

نفط الصخور السجيلية

ان سياسة اوبك الجديدة، تعتمد اساسا على الخروج السريع للنفوط باهضة الكلفة، من سوق المنافسة مع النفوط التقليدية. واهم هذه النفوط هي نفوط صخورالسجيل (shale oil)، التي بفضلها حققت الولايات المتحدة الامريكية انتاجا اضافيا قدره حوالي 4.5 م ب ي منذ عام 2010. اذ ارتفع انتاجها من النفط الخام ، من 4.9 م ب ي عام 2009 الى 8.8 م ب ي عام 2014 ، ثم الى 9.4 م ب ي اواسط عام 2015 .

تتميّز آبارهذه الصخور بكونها سريعة الاستنزاف، بحيث تفقد من طاقتها الانتاجية حوالي 50%-75% خلال السنة الاولى، وحوالي 95% خلال السنة الخامسةا. وهي ذات معدلات انتاجية متواضعة مقارنة بالآبارالتقليدية (معدل حوالي 50 برميل/يوم/بئر مقارنة بأضعاف ذلك للتقليدية)، وبالتالي فان ادامة انتاجها يحتاج الى توفير اموال كبيرة لحفر وتكسير آبار كثيرة، مما يجعل كلفة انتاج البرميل الواحد من نفط السجيل، عالية جدا نسبة الى كلفته من حقول الشرق الاوسط التقليدية. وللعلم فأن عملية تكسير الصخور تحتاج الى (1- 3 ) برميل من الماء، لانتاج برميل واحد من النفط، وهواحد عوامل زيادة الكلفة.

ونتيجة لكلفة الانتاج العالية نسبة لاسعارالنفط الواطئة، فان عدد ابراج الحفرفي الولايات المتحدة الامريكية، قد انخفض من 1927 في تشرين اول 2014، الى 787 برجا في تشرين اول 2015، اي بحدود 60% عما كان عليه عند بدأ تدهور الاسعار ((Baker Hughes. ورغم ذلك، فأن انتاج الولايات المتحدة الاجمالي من النفط الخام ما زال يتصاعد، بفضل نفط السجيل، ولو بوتيرة متناقصة. فهو قد ارتفع الى 9.4م ب ي، بزيادة قدرها 0.6 م ب ي خلال الفترة من اواسط عام 2014 الى اواسط 2015، لكنه انخفض من قمته البالغة 9.56 م ب ي في آذار 2015 الى 9.32 م ب ي في آب 2015.

ومن تمديد ( extrapolation) الخط البياني لهبوط عدد الابراج مع الزمن (ملحق رقم 2)، ورغم اهمال النقطتين لشهري تموز وآب، نلاحظ ان الخط آخذ بالتسطح، وان انحداره (slope) يقترب من الصفر تدريجيا، دلالة على ان الابراج المتبقية يقترب عددها من ما يلزم لادامة الانتاج من الرقع ( plays ) التي يمكن انتاجها بكلفة اقل من اسعار سوق النفط الحالية، البالغة حوالي 48 $/ برميل. وجدير بالذكر ان معظم ابراج الحفر تعمل في الحفر التطويري للانتاج، وقليل منها في الحفر الاستكشافي الذى يبدو بأنه ينشط على حساب الحفر التطويري، بحث ارتفع عدد ابراجه من 3 الى 34 برجا، خلال الفترة من تشرين أول 2014 الى تشرين اول 2015، وقد يصل الى 50 برجا في اواسط العام القادم.

سعرالتعادل

ان سعر استعادة الكلفة، او سعر التعادل (break-even)، هو سعر البيع الذي يزيد قليلا عن كلفة الانتاج. وهذا السعر يعتمد على عوامل عديدة اهمها عمق الآبار ومعدل انتاجيتها وقربها من سوق الاستهلاك. ففي الولايات المتحدة الامريكية ، حسب ادبيات النفط العالمية، يقدر سعر التعادل، في رقع انتاج نفط السجيل، بين حد ادنى قدره حوالي 25 $/ برميل، وحد أعلى اكثرمن 90 دولار للبرميل، اعتمادا على كلفة الانتاج لكل رقعة (مضمار). اما المعدل فقد قّدر بين 54$/ برميل US Department of Energy)) و60 $/ برميل (IEA ).

ولكن حسب تحليلاتنا السابقة، فان عدد ابراج الحفر التي ستبقى في ساحة العمل ) بعد الربع الاول من العام القادم، على وجه التقريب)، قد تمثل ما يلزم من الابراج لأدامة الانتاج من الحقول التي تقل كلفة انتاجها عن سعر النفط الحالي البالغ 48$/ برميل. وعليه فان سعر التعادل (break-even )، قد يكون بحدود 45$ للبرميل الواحد. واذا صح استنتاجنا هذا فان انتاج نفط السجيل في الولايات المتحدة لن ينخفض سريعا، ما لم ينخفض سعر النفط لاقل من 45$/ برميل واذا لم يحصل ذلك فعلى دول منظمة اوبك عامة، والسعودية خاصة، ان تنتظر طويلا قبل ان يرتفع سعر النفط الخام الى المستوى المأمول.

الخلاصة

أن اسعار النفط ما زالت هشة، بعد مرور اكثر من 14 شهرا على بدأ هبوطها. وان هذه الهشاشة السعرية مرشحة لان تستمر فترة قد تكون طويلة. وهذا يؤشر الى ان استراتيجية اوبك الجديدة للحفاظ على “حصص السوق” لا تعطي نتائج سريعة، وانها تحتاج لمدة طويلة لتحقيق اهدافها، المتعلقة بانتعاش الاسعار. وبالمقابل فان سياسة تخفيض الانتاج او ( “تأرجح الانتاج”) التي طبّقت منتصف عام 2008 قد فعلت مفعولها بانتعاش الاسعار، بمدة لا تزيد عن السنة الواحدة.

وهذا القصور في الاستراتيجية الجديدة، يعود لعاملين رئيسين، الاول هو ان سعر التعادل (break even) لنفوط صخور السجيل في الولايات المتحدة الامريكية، يبدو قريبا من سعر السوق الحالية، البالغ حوالي 48 $ / برميل. وقد قدّرناه بحدود 45 $ / برميل. والعامل الثاني، يعود الى الفرق الزمني (time lag) بين حفر الآبار واضمحلالها الانتاجي. وهذا ما أبقى انتاج نفط السجيل، في الولايات المتحدة، قريبا من معدلاته السابقة ولم ينخفض بأكثر من حوالي 240 الف ب ي، للفترة من آذار الى آب 2015. كما انه قد لا ينخفض سريعا ما لم تنخفض الاسعار الى ما دون 45$/برميل.

ولأن انتاج الاوبك مستمر بالتصاعد رغم تدهور الاسعار، فان اوبك، في واقع الحال، لا تطبق استرتيجيتها المعلنة والداعية الى ” الحفاظ ” على حصص السوق، وانما تطبق ستراتيجية مختلفة، جوهرها “التوسع” في حصص السوق مهما كانت الاسعار. وهي سياسة يصعب تبريرها في ظروف مثل الظروف الحالية.

ليس هناك استقرار دائم للأسعار، وان دورات هبوط الاسعار وصعودها سوف تستمر بموجب قانون العرض والطلب. وان المنتجين غير التقليديين يعودون الى السوق حالما تنتعش الاسعار. والسؤال المهم هو كيف يمكن اطالة فترة انتعاش الاسعار وتقليص فترة ههشاشتها؟ وما هي استراتيجية اوبك اللازمة لتحقيق هذا الهدف؟

ان الدمج بين الاستراتيجيتين، قد يقود الى أفضل السبل لتحقيق اهم الاهداف التي تأسست أوبك من اجلها، الا وهو تحقيق دخل مستقر (نسبيا) للمنتجين. يستند هذا المقترح لبعض المبادئ والأسس من اهمها

(1) الحفاظ على “مجموع” حصص السوق لاعضاء منظمة اوبك بدلا من الحفاظ على “الحصص الجزئية” لكل عضو في المنظمة، كما هو مطّبق حاليا

(2) وان تقوم اوبك بالتدخل المبكر لتصحيح الاسعار ولا تنتظر دينامية العرض والطلب لتصحيح الامور نيابة عنها.

(3) ان يتحمل المنتجون الاكثر تجاوزا على حصص الانتاج والاكثر ثراءا”، مسؤؤلية وقيادة عملية التصحيح، وفقا لخطة عمل تشمل تجميد سقف الانتاج لهذه الدول حالما تبدأ الاسعار بالتدهور، ويترك لهذا الاجراء، مدعوما بدينامية العرض والطلب، ان يفعل فعله مدة لا تزيد عن بضعة اشهر، يصار بعدها الى تخفيض انتاجهم، في حالة عدم تحسن الاسعار. وعلى الدول المحتاجة، وهم الاكثرية، ان يضغطوا بقوة لكي تكون المنظمة فاعلة فيما يجري، وليست متفرجة عليه .

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here