مخاطر الخروج من قواعد اللعبة

0
712

علي حسين عبيد
منذ سنوات ليست قليلة، أكد مراقبون ومفكرون على أهمية إلتزام الاحزاب والكتل العراقية بقواعد اللعبة السياسية، وقالوا في هذا الموضوع الخطير، إن صمام الأمان الذي يحمي العملية الدستورية في العراق.. يتمثل بالإلتزام الكامل بقواعد اللعبة السياسية، والتعامل معها بشفافية ووضوح، مع الابتعاد عن محاولات التسقيط المتبادلة بين القادة السياسيين، والابتعاد عن زج الجماهير في معارك السياسيين التي تهدف بالدرجة الاولى، الى تحقيق مصالح ومنافع ضيقة الآفاق.. ولا تعني الشعب من بعيد أو قريب، بل هي حزمة مآرب تذهب الى تحقيق منافع ومكاسب للافراد، او الاحزاب، او الكتل، على حساب بناء الدولة المدنية الحاضنة للجميع.
ولأن القادة السياسيين لم يدركوا المخاطر التي تفرزها عملية ضرب قواعد اللعبة والخروج عليها، ولأنهم ركّزوا على المنافع الآنية الضيقة (الفردية او الفئوية او الحزبية)، فإننا نعيش اليوم واقعا حساسا قلقا متشنجا، فرضته النزعة السياسية المستميتة من اجل الحصول على مكاسب سريعة، لا تصب في المسار الصائب والبعيد المدى، لبناء الدولة في مجالات السياسة والاقتصاد والبُنى الأساسية كافة.
وحتى هذه اللحظة.. وعلى الرغم من النتائج الخطيرة التي يعيشها العراقيون اليوم، يتضح من خلال التناقضات والتضاربات الحادة بين الاحزاب والكتل السياسية، أنهم لم يستوعبوا الدرس بعدْ، بمعنى لا يزال هناك عدم ادراك من لدن القادة السياسيين للواقع الراهن ومخاطره الجسيمة، ولا يزال هناك قادة سياسيون غير مستعدين لتغيير منهجهم في التعاطي مع قواعد اللعبة السياسية!.
وكأنهم أناس مغامرون لا يدركون النتائج التي يتعرض لها كيان الدولة برمتها، ولا التطلعات والمطامح التي رسمتها الجماهير العريضة التي كانت ولا تزال، تحلم في بناء الدولة الدستورية القوية الراسخة، والقادرة على حماية الحقوق والحريات، والفاعلة في منح الفرص المتساوية والمتكافئة لجميع المكونات، لاسيما أن هذه الجماهير الطامحة بدولة عادلة، كانت قد ذاقت مرارة الحرمان والقهر والظلم والبطش بأنواعه، على يد أنظمة فردية مستبدة متناسلة ومتشابهة، نهبت ثروات البلاد وأوغلت في التجاوز على الحقوق والحريات المشروعة.
وها أننا ازاء مشهد سياسي جديد (وخطير) لكيان الدولة العراقية، أفرزته وقائع بالغة التعقيد، وفرضته على الجميع فجأة، على الرغم من أن السياسيين أنفسهم مهدوا لهذا الواقع الخطير، لذلك يبقى المسؤول الأول عن ما آلت إليه الامور في العراق، الطبقة السياسية الحاكمة والمشاركة في العملية السياسية، والتي فرّطت، بفرص بناء الدولة المدنية القوية، وذلك بسبب إيغال قادتها وأفرادها – ونعني بهم الطبقة السياسية- في اختلاق التناقضات والصراعات والتناحرات، وعدم قدرتهم على الالتزام بقواعد اللعبة السياسية، تحت ضغط مآربهم ومصالحهم الآنية الضيقة، التي أجهضت مشروع بناء الدولة المدنية.
وقد يقول قائل، أن هناك مؤشرات دامغة على وجود مؤامرة خارجية لتفتيت دولة العراق، أسهمت فيها قوى اقليمية ودولية، وهو أمر غير مشكوك به، نعم هناك قوى معادية (دول اقليمية وعالمية)، بمساعدة أذرعها الداخلية، أوصلت البلاد الى ما هي عليه الآن، ولكن لو كانت الطبقة السياسية منضبطة وواعية لما يدور حولها، وملتزمة بالقواعد الديمقراطية المرسومة دستوريا، لما انزلقت الامور الى هذا الحد الخطير الذي بات يهدد كيان الدولة بأكملها.
لقد وقع الفأس في الرأس كما يُقال، وها أن المشهد السياسي بات يتعقّد يوما بعد يوم، وها ان الفرقاء السياسيين يلقون باللوم على بعضهم البعض، ومع كل حزمة المخاطر الكارثية التي تحيط بكيان الدولة، عجز هؤلاء عن عقد جلسة برلمان اولى حاسمة وحساسة في تاريخ العملية السياسة وتاريخ العراق المعاصر ايضا، وها انهم يجازفون مرة اخرى بكيان الدولة، ويضاعفون من مخاطر الانقسام والتناحر، عندما يضربون الآن – مثلما كانوا سابقا- بقواعد اللعبة عرض الحائط، وكأنهم لم يستوعبوا الدرس الخطير جيدا، فعادوا الى ديدنهم القديم في الصراع والتناحر والتسقيط، بدلا من التقارب والانسجام لجميع الاحزاب والكتل السياسية، ونسيان الخلافات والمصالح، من اجل انقاذ الدولة العراقية، التي باتت اليوم على حافة الهاوية!.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here