ضحايا ام ارهابيون في الاعلام؟

0
709

عماد رسن
تحولت شخصية السمبتيك الفكاهية في مواقع التواصل الاجتماعي لشاب سعودي إلى شخصية البطل المجاهد الذي ذهب لسوريا لينجد أطفالها ويحارب دكتاتورها تحت راية الإسلام على يد دعاة الجهاد في سوريا. لكن هذه الشخصية تحولت مرة أخرى لتصبح ضحية على يد الإعلام حين أحست بالندم والخطأ الكبير بأن لاجهاد هناك سوى فتنة بين الفصائل الإسلامية في صراع على المال والسلطة. لقد كانت نية السمبتيك من البداية هي الانضمام لجبهة النصرة لكنه وصل في نهاية المطاف ليقاتل في صفوف داعش ضد جبهة النصرة التي جاء يقاتل في صفوفها. لم نعرف عدد الذين أصابتهم رصاصات السمبتيك ولا عدد الأطفال السوريين الذين روعهم بصوت رشاشه الثقيل الذي كان يحمله على كتفه في صورة له من ساحة المعركة. السمبتيك يمثل نموذجا صارخا لشباب سعودي تحول إلى الإجرام ومن ثم إلى ضحية على يد الإعلام السعودي. تشير الإحصائيات أن السعوديين تصدروا قائمة الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في العراق بـ 104 انتحاري مقارنة بباقي الدول العربية وأن غالبية هؤلاء فجروا أنفسهم بين المدنيين. وبيقى السؤال, هل كان السمبتيك مجاهدا أم إرهابيا, سؤال له أجوبة متعددة نتيجتها واحدة بأنه قتل من قتل أو روع من الأبرياء ومن الجيش السوري ومن المجاهدين الإرهابيين في فصائل أخرى, فداعش تحارب على عدة جبهات في وقت واحد.
هل كان الشباب السعودي الذي ذهب للقتال في سوريا مغرر به؟ بالتأكيد ليس الكل, فبعد عودة المئات من ساحات القتال في العراق طوعا أو ضمن برنامج تبادل المعتقلين وفيهم ممن قتل وتلطخت يداه بدماء الأطفال والأبرياء من المدنيين بمفخخات لا تعرف العدو من الصديق يعود الكثير منهم مرة أخرى في نفير إلى ما يسمى الجهاد في سوريا ومثالا على ذلك المدعو أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الشايع الذي يسمى بالشهيد الحي من قبل الإرهابيين بعد أن فجر صهريجا مليئا بالوقود في شارع الأميرات في منطقة المنصور في بغداد ليقتل 12 مدنيا من غير المصابين من الجرحى والمروعين من الإنفجار. لقد خرج أحمد من الإنفجار حيا بقدرة قادر مصابا بحروق جسيمة لتتم معالجته في العراق ومن ثم عاد للسعودية ضمن صفقة سياسية لتبادل المعتقلين ويعلن التوبة بعد أن قال أنه أستخدم من قبل الإرهابيين لتنفيذ عملية انتحارية. ولكن, ومنذ فترة عاد أحمد مرة أخرى ليلتحق بإحدى الفصائل المقاتلة في سوريا تحت عنوان الجهاد.
لم يكن موضوع السعوديون الذاهبون للقتال في أماكن عديدة من العالم ظاهرة جديدة فقد ذهبوا زرافات إلى أفغانستان بمباركة رسمية وإلى الشيشان والبوسنة والعراق وسوريا الآن. إلا أن الإعلام السعودي مازال يتعامل معهم كشباب مغرر بهم فقدوا صوابهم ومنهم من عاد إلى رشده بعد برامج للمناصحة من قبل الحكومة السعودية بعد أن مس الإرهاب السعوديين أنفسهم في المملكة. حتى أن الإعلامي داوود الشريان تحدث عن هذا الموضوع في برنامجه على قناة الأم بي سي بكل جرئة وله التحية على ذلك ولكنه تطرق فقط إلى وجهة نظر السعوديون في الموضوع ولم يتحدث عن المآسي التي تسبب بها الإرهاب لأناس آخرين وحجم الضرر الذي أحدثوه.
ونعود للسؤال: هل أن السعوديين الذين يذهبون للقتال في سوريا إرهابيون قتلة أم شباب مغرر بهم كما يصفهم الإعلام السعودي؟ إن لم يكونوا قتلة فمن الذي يقتل في سوريا؟ إن كانوا ضحايا فماذا نسمي الذين يموتون على أيدهيم؟ إن كانوا من المغرر بهم, فلماذا لا نسمي العراقيين الذين يقاتلون في لواء أبو الفضل العباس واللبنانيين في حزب الله بالمجاهدين فضلا عن الشيشانيين الذين رأيتهم في أحد الفيديوهات يقتلون أبرياء في خربة في سوريا وبينهم طفل في العاشرة من عمره وهم ينطقون الشهادتين رميا بالرصاص على وقع صيحات التكبير.
حسنا فعلت المملكة بقانون يحاسب الإرهابيين لكن هل هذا يكفي؟ لماذا لاتتغير الصورة النمطية في الإعلام السعودي الرسمي والشبه رسمي والمستقل لتحول تلك الصورة النمطية للضحايا المغرر بهم إلى مجرمين قتلة لابد من محاسبتهم على ما اقترفوه. ليس السعوديون فحسب بل كل من يذهب للقتال في سوريا من كل جنسية وتحت أي عنوان سياسي أم ديني أم إنساني. حتى أن الشرع الإسلامي يحاسب على القتل غير العمد وقتل الشبهه فما بالك بصهريج من الوقود يحمل بقدره كراهية للحياة والمجتمع وكل ماهو مختلف. هل يكفي أن نحارب تلك الظاهرة بمحاسبة المحرضين وشيوخ الفتنة؟ إذا كان الموضوع يكفي, فأين الإعلام السعودي من الخطاب الذي يكفر الآخرين لمجرد الإختلاف, أن لم يكن تكفيرا بصريح العبارة فإتهام بالشرك والمروق عن الدين, إن لم يكن شركا فخطاب يدعو للكراهية ونبذ الآخر, إن لم يكن يدعو للكراهية فهو يدعو إلى عدم الإعتراف بالآخر وتهميشه سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا, الخطاب التحريضي الذي يؤمن بالعنف كوسيلة للتغيير. أين الإعلام السعودي من الخطاب الذي يتحدث بإسم الله ويقسم الجنة والنار بين الناس وهم في الدنيا, الخطاب الذي يجعل من يريد شهيدا ومن يريد قتيلا وكأنهم أطلعوا على الغيب. لماذا تجمل الصورة الحقيقية وهي بائسة لتقدم بشكل آخر وبعناوين مختلفة لتبرير تهاون السلطات مع الحلقات الأكبر في المؤسسات الدينية التي تضمر التكفير ولا تعلنه ولكنه يظهر من في خطاب تحريضي يشحن الشباب ويجعل منهم آلة للقتل.
لابد من محاكمة ليس شيوخ الدين فقط ممن يحرضون ويفتون من على المنابر وشاشات التلفزيون أو يوقعون على عريضة تدعو للجهاد في العراق وسوريا بل محاكمة خطاب يدعو للكراهية والعنف يتحدث بإسم الله ويحيط نفسه بالقدسية, محاكمة ثقافة يعج بها المجتمع تدعو لعدم قبول الآخر المختلف في الدين والمذهب والجنس واللون والمنطقة. فالموضوع أكبر من كونه موضوعا قانونيا يتعلق بتسوية بين المغرر بهم وبين المجتمع لإعادة دمجهم فيه مرة أخرى بل هم موضوع أخلاقي يتعلق بالإحساس بالآخرين المتضررين من كل بلد من الأعمال الإرهابية على يد السعوديين وغيرهم. الإحساس بشعور آلاف الأمهات التي ثكلن بسبب شاب مغرر به مجرما كان أم ضحية كما يشعر السعوديون بإحساس أم محمد الذي ذهب ولدها إلى سوريا بحجة الجهاد ولم يعد فدمعت عيون داوود الشريان ومن معه في الاستوديو لحجم الألم الذي تشعر به.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here