حملة الأنبار الأمنية.. التوقيت والنتائج المحتملة

0
760

علي الطالقاني
باحث في شؤون الإرهاب

بعد أن استطاعت الحكومة العراقية أن تقنع بعض قادة وأبناء العشائر في المناطق ذات الغالبية السنية التي يتركز عمل تنظيم القاعدة فيها، بالعودة إلى دعم استقرار الأمن، وبعد أن بدأت تتشكل عناصر الصحوات ووقوف شيوخ العشائر مع الحكومة من أجل التصدي للتنظيمات الارهابية، أدى عدم التوافق السياسي والمصلحي لبعض الكتل السياسية إلى فشل الملف الأمني وتقويض إنجازات الحكومة.
ومن الأسباب الأخرى، عدم تضمُّن خطوة الاندماج في دعم العملية السياسية والأمنية، مناقشة القضايا الجوهرية فيما يخص الرؤية السياسية المشتركة للبلد وبناء المؤسسات الأمنية والإصلاح السياسي وتفعيل دور المشاركة السياسية.
الأحداث الراهنة في مناطق غرب العراق تثير الشكوك والتساؤلات حول قدرة الحكومة العراقية على احتواء الموقف من جهة وتنفيذ واجباتها الأمنية من جهة أخرى، وهو الأمر الذي عدَّه مراقبون خطوة حرجة، خصوصاً أن التحركات تجاه وجود التنظيمات المسلحة جاءت متأخرة.
ومن المرجح إذا لم تستطع الحكومة العراقية استخدام موقف صحيح ومدروس، فإنها قد تساهم في امتداد الصراع إلى مدن أخرى من العراق.
وربما بدا شن الحملات الأمنية في مناطق غرب العراق أمراً مقلقاً لأبناء تلك المناطق، في وقت من المفترض فيه أن تكون القوى السياسية والعشائرية الممثلة لهذه المناطق تعتمد الحوار المباشر مع الحكومة ومناقشة الأوضاع بطريقة جادة وعملية. ومنذ بداية التجمعات والمظاهرات في الأنبار ازداد الوضع تعقيداً، وبالتالي تتحمَّل الحكومة العراقية وأبناء تلك المدن تبعات ما تراخت فيه تجاه الأحداث.
وبدأت أعمال العنف تتصاعد في البلاد منذ نهاية عام 2012، غير أن الاعتصامات المناهضة للحكومة التي حدثت في مناطق غرب العراق تسببت في تأجيج الوضع الداخلي، وشجَّعت على ظهور القاعدة بقوة، وهي نقطة تحوُّل ساهمت في هروب قادة تنظيم القاعدة من سجني التاجي وأبو غريب، مما وضع البلاد أمام تحديات جديدة.
يذكر أن عدد ضحايا الإرهاب في العراق عام 2013 بلغ أكثر من 7154 شخصاً على مدار العام، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف العدد للثلاثة سنوات الماضية، في حين بلغ عدد الضحايا منذ العام 2003 أكثر من 170 ألفاً.
دوافع الحملة الأمنية
للحملة الأمنية غرب العراق أسباب معظمها جاءت نتيجة طبيعية لما يحصل، على اعتبار أن مناطق غرب العراق نقطة توتر منذ سقوط النظام العراقي عام 2003، ومن جملة هذه الأسباب:
السبب الأول: من المرجَّح أن تكون الحملة الأمنية في مناطق غرب العراق جاءت بعد قناعة الولايات المتحدة الأمريكية بخطورة الموقف وامتداد الصراع في سوريا إلى العراق، وهنا جاءت زيارة المالكي للولايات المتحدة الأمريكية من أجل التصدي لهذه التنظيمات التي قد تجد أرضية خصبة لها في هذه المناطق. سبب آخر، ربما جاءت هذه الحملة بعد أن حصل المالكي على ضمانات من قبل بعض قادة العشائر في هذه المناطق، علماً أن هؤلاء القادة يتمتعون بدعم عشائري في هذه المناطق.
وربما يكون التوقيت مناسباً على الصعيد السياسي، فالانتخابات على الأبواب وقد تزيد من رصيد المالكي انتخابياً كما حدث عندما خاض معركة ضد المجاميع المسلحة في البصرة.
وربما أن ما جرى في الأنبار هو نتيجة طبيعية لما حدث من قتل وتصعيد في الهجمات اليومية التي أزهقت أرواح أعداد كبيرة من العراقيين، وخصوصاً تزامن هذا التصعيد مع تصاعد حركة «الاعتصامات».
إن الأزمة الحالية في العراق تكمن في وجود قيادات سياسية ضعيفة، فضلاً عن ارتباط بعض قادة العراق بأجندات دولية قد تجرُّ البلد إلى حرب تتطور بسرعة إلى أبعاد طائفية، والسؤال المهم هنا هو ما الذي سيحدث فيما بعد؟.
على الرغم من الدعم العسكري المحدود الذي قدمته الولايات المتحدة للعراق، إلا أن العراق ما زال يعاني كثيراً من القتل اليومي.
وبرغم تصاعد عمليات القتل اليومي، إلا أن العراق تمكَّن حتى الآن من تجنب الحرب الأهلية، وبعد أيام من بدء العمليات العسكرية في الأنبار، قامت قوى سياسية ودولية بتأجيج نار العنف من خلال إطلاق الخطابات التي تحرِّض على الاقتتال، ويمكن أن ندرك هنا حجم خطورة الموقف فيما إذا انصب الدعم الدولي لمصلحة المجاميع المسلحة والمناهضة للحكومة.
القيود والتحديات
تواجه الحكومة العراقية قيوداً في تنفيذ استراتيجيتها في الحرب على الإرهاب وتكمن هذه القيود في عدة أسباب منها:
– الحجم المحدود للقوات الأمنية، هناك مساحات من الأراضي الصحراوية والزراعية الكبيرة، وبالتالي سيكون أمام القوات الأمنية جهد أكبر لتخطي هذه الصعوبات من حيث وجودها.
– تفويض القتال إلى قوات الشرطة المحلية، وهو الأمر الذي يطالب به أبناء تلك المناطق، في وقت كان يتحتم على هذه القوات مقاتلة التنظيمات الإرهابية في وقت مبكر.
– مواقف الكتل السياسية الأخرى السلبية، حيث تعتبر هذه المواقف مشجعة لبعض القوى التي تؤمن بقتال القوات الحكومية.
– تغيير قواعد اللعبة، وهو الأمر الذي ينبغي الالتفات إليه، في حالة حصول بعض المجاميع المسلحة على دعم بعض السياسيين والعسكريين.
ويقول مراقبون إن عناصر «الدولة الإسلامية» في سوريا انسحبت من مواقع عدة كانت تتمركز فيها. من الصعب جداً التنبؤ بما سيحدث، وفي حال استمرار بعض القوى السياسية والعشائرية في دعوتها إلى دعم «التظاهرات» ومواجهة القوات الحكومية، ربما ستعمد الحكومة العراقية إلى نشر قوات الجيش والشرطة في جميع أنحاء الأنبار.
وفي حال صب وتحشيد الجهد الدولي على جعل الأنبار نقطة مواجهة ضد الحكومة العراقية، قد ينخرط بعض رجال العشائر والتنظيمات المسلحة من سكان المناطق الغربية في الصراع.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here