مدينة الموت.. قصة قصيرة

0
715

مهند ناسو السنجاري

 

في ذلك الصباح الأكثر قدسية، كانت الطفلة لا تزال متكورة على فراش والدها، والزوجة في انتظارهم على مائدة الطعام تحاول تبديد حلمها حين رأت “زمرة كلاب سوداء يغطي جسمها القيح بفعل الجرب، تنهش في جثة حمل وديع في حديقة المنزل” وهي كذلك.. طرق الباب ودست من تحته قصاصة ورق مبرقعة بقطرات من الدم كتب عليها “نعتذر منكم فقد تم نحره سهواً..لكن سيكون له نصيب في الآخرة كما بقية المجاهدين في سبيل الله”!

وقبل ساعة من قراءة الزوجة لقصاصة الورق تلك..وفي ذلك الحي المختنق بالخوف، حيث رائحة الموت تخيم على كل شيء كما هو حال الندى، نهضت الزوجة مع وجه الشفق، تعيد ترتيب المنزل مرة أخرى، استعدادا لاستقبال المهنئين بعيد الأضحى، أزاحت بقوة تتدل على التعجل.. اللحاف من فوق زوجها وابنتهم ذات العامين “المتكورة في حضن والدها أشبه بصغير قنفذ “ثم قالت وهي تعيد تجميع شعرها إلى الخلف وتعضُ على مشبك الشعر: انهض. فقد أوشكت الشمس على البزوغ، وبدأ المصلين بالتوجه إلى الجامع.

بتململ وبابتسامة تدل على انه يخفي شيئاً سحب جسده من فوق السرير،وما أن انتصب بقوامه حتى احتضن زوجته وقبلها بقوة وأردف قائلا: “كل عام وأنت بخير يا حبيبتي” بخجل صدته و أومأت إليه بان الولد في المطبخ ثم أفلتت منه مسرعة لتذهب لتكمل كي بذلة العيد خاصته.. وهي تعيد ترتيب حمالة صدرها من فوق قميص النوم.

دخل الأب على ولده الذي لم يبلغ ربيعه الخامس ،والمنشغل ببذلة العيد الجديدة، احتضنه وعايده بقبلة ثم خاطبه :

هل أنت مستعد للذهاب معي للصلاة؟

أجابه الولد والفرحة تغمره : نعم يا أبي .

أكملوا وضوئهم وقبل أن يهموا بالخروج للصلاة.. قالت الزوجة وهي تهيئ مائدة الفطور: انتبه له . ولا تتأخروا فنحن في انتظاركم.

أجابها الزوج بغمزة وابتسامة صغيرة ،وهو يرسم بشفتيه قبلة متخفية تنم على شيء يعرفه هو.

بدأ الأب يحكم قبضته على يد ولده الفرح الذي اخذ يتراقص في مشيته كمهرة تحاول فك اللجام، ومع اقترابهم لركن الشارع المؤدي للجامع، حيث تركن السيارة السوداء .. فجأة يقع الولد مذعورا بفعل صفعة قوية من احد الملثمين الذين طرحوا والده أرضا وفصلوا رأسه عن جسده بلمح البصر، حتى لم يتسنى له الوقت للشعور بالخوف.. ثم يغادرون بهدوء.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here