السعودية تخسر بإرادتها دوراً في السلم والاستقرار

0
2085

محمد علي جواد تقيgal.Saudi.riyal.jpg_-1_-1

ربما يكون قراراً ملكياً معد له سلفاً في الرياض لإيصال رسالة عتب شديدة الى الادارة الامريكية عبر الأمم المتحدة، فقد سجلت وسائل الاعلام تحضيرات سعودية لاستقبال خبر ترشيح السعودية كأحد الاعضاء العشرة غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وذكرت مصادر، أنه تم تدريب العاملين في البعثة السعودية في المنظمة الدولية على كيفية التصرف والعمل في ظل المكانة الجديدة للسعودية في الأمم المتحدة، إذ سيكون لها مقعداً في مجلس الأمن الدولي و لمدة عامين، ومعها نيجيريا وتشاد وشيلي وليتوانيا. لكن مفاجأة العالم – وليس الامريكيين طبعاً- أن بياناً صدر من الرياض يعلن امتناع السعودية عن قبول هذه العضوية، لتكون الضربة الثانية التي توجهها السعودية الى المنظمة الدولية بعد امتناع وزير خارجيتها سعود الفيصل عن إلقاء كلمة بلاده في الاجتماع الاخير للجمعية العامة للأمم المتحدة، بنفس الاعذار التي ساقوها في قرارهم الأخير، وهي: فشل الأمم المتحدة في حل العديد من القضايا الاقليمية، وتوفير شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، ونصرة الشعوب، ومنها الشعب السوري.

السعودية لم تكلف نفسها بالمرة، توقير المنظمة الدولية والدول الأعضاء فيها، ممثلين لمعظم الدول والشعوب في المعمورة، رغم دورها المعروف بالضعف والهشاشة أمام الدول القوية، وهي حقيقة لم تخف عن أحد، ولم تنكرها هذه المنظمة منذ تأسيسها، لسبب بسيط، أن تأسيسها تم على يد تلك الدول القوية والكبرى، مثل امريكا وبريطانيا وفرنسا و روسيا، وإذن؛ فان مصالح هذه الدول تكون لها الأولوية في التعامل مع ملفات ساخنة في أي مكان بالعالم له صلة بهذه الدول. وهذا مصدر استغراب الرأي العام العالمي من الموقف السعودي، مع معرفة السعودية بطبيعة المصالح الغربية في العالم، لاسيما في الشرق الأوسط، ولطالما تفرجت الاخيرة على “الفتيو” الامريكي ضد أي قرار إدانة دولية ضد الكيان الصهيوني على جرائمه وانتهاكاته ضد الشعب الفلسطيني طيلة العقود الماضية. كما شهدت مواقف مخزية للمنظمة الدولية في حرب البوسنة، التي حصدت أرواح الآلاف من المسلمين الذي ذهبوا ضحية صفقة غربية – روسية للحؤول دون ظهور اسم “جمهورية البوسنة

والهرسك) بأغلبية مسلمة وسط اوروبا. هذا اضافة الى أمثلة كثيرة وعديدة عن الجرائم التي ارتكبت في ظل صمت قاتل من المنظمة الدولية، ومن ورائها امريكا، ومنها المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي في قرية “قانا” بجنوب لبنان عام 1996، عندما قصفت الطائرات الحربية مقر الأمم المتحدة في القرية، وقد تحصن فيها عدد من المدنيين اللبنانيين هرباً من القنابل الاسرائيلية. وكان رد الفعل المشهود آنذاك، هو استقالة الأمين العام للأمم المتحدة “بطرس غالي” من منصبه استنكاراً لهذا الاعتداء والتجاهل الشنيع لحرمة الأمم المتحدة، لكن لم نسمع تجميد السعودية او غيرها لعضويتها في هذه المنظمة الدولية احتجاجاً على تلك الجريمة المروعة التي ذهب ضحيتها العشرات من النساء والإطفال.

المراقبون يرون في الموقف السعودي الاخير، إماطة اللثام طواعية عن الوجه الحقيقي للسياسة السعودية في تعاملها مع دول العالم، فاذا عرفت خلال العقود الماضية بأن لها يد معطاءة للجميع، وبملايين الدولارات، فأنها في الوقت نفسه لا تعر أهمية للجميع ايضاً، عندما ترى أنها لم تحصل على مبتغاها من الهبات والعطايا لهذا وذاك، وعندما كانت معروفة بحساسيتها من السؤال عن أي قضية او اشكالية داخلية أو خارجية، من قبيل ملف حقوق الانسان، أو دورها في تربية أجيال من الارهابيين – التكفيريين. فان العالم اليوم يتفاجأ بأن هذه الدولة تقف وتحاجج المنظمة الدولية على نهج تسير عليه منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية.

هذه المزاجية السياسية التي أظهرتها الرياض، باتت مفهومة لدى المراقبين والمحللين، كما للعواصم الغربية، وفي المقدمة واشنطن، حيث بدأ الامتعاض السعودي من امريكا على وجه التحديد، عندما تخلّت عن خيار الحرب في سوريا، وميلها نحو الحل السياسي، وهو ما يعني خسارة فادحة، مادياً ومعنوياً، حيث وقفت السعودية ومعها قطر، بقوة خلف تسليح المعارضة السورية، بدعوى الدفاع عن النفس، وكان الاثنان يتصوران أن دول مثل امريكا و روسيا، سيحترمان الارادة السعودية ويجمعان على ضربة عسكرية تقضي على نظام الحكم في دمشق، كما حصل في ليبيا. لكن تبقى المشكلة في العقلية السياسية السعودية المنبعثة من الثقافة والتراث والتاريخ، إذ لا قيمة أو شأن إلا للقوي بالمال والسلاح، لذا فان من الصعب على السعوديين رؤية او ملامسة تغييرات كبيرة في العالم، تدفع الدول الكبرى لمواكبتها حفاظاً على مصالحها، من هذه التغييرات ما طرأ من تعديل على فلسفة القوة في العلاقات الدولية. فالقوة العسكرية الامريكية اليوم تتحداها قوة اقتصادية هائلة قادمة من الصين، كما تماثلها في التأثير والسطوة، قوة الفكر والثقافة، وهو ما عكف الامريكيون على دراسته ثم امتلاكه منذ فترة طويلة، في ظل انتشار وسائل

الاتصال والاعلام المتطورة والسريعة، ربما تكون أسرع وأكثر تأثيراً من الصاروخ..!

وهذا يعد من جملة أسباب وعوامل دفع الادارة الامريكية لأن تفتح نوافذ الاتصال والحوار مع ايران لقدرتها على قراءة جديدة لمفهوم القوة، غير تلك التي كانت سائدة في الثمانينات، وهذا تحديداً ما تفتقده السعودية، فهي بنفس ثوبها القديم والبالي منذ عقد الثمانينات، ترسل الأموال والاسلحة الى افغانستان، واليوم تفعل الشيء نفسه في سوريا، بل وأسوأ من هذا بكثير، فقد كانت قبل ثلاثين عاماً ترسل رجال الدين المتخرجين من مدارسها الوهابية للتبليغ في افغانستان وباكستان وغيرها، بينما اليوم أضحت تصدر المجرمين وخريجي السجون من القتلة والارهابيين التكفيريين، الى العراق وسوريا، وهذا ما لم يخف عن أنظار العواصم الغربية، منذ أول ارهابي سعودي وطأت قدماه أرض العراق بعد الاطاحة بصدام.

بهذه الادوات كانت السعودية تأمل بدور اقليمي محوري مبارك له غربياً، وفي نفس الوقت يهمّش الدور الايراني في المنطقة، وقد لاحظ المراقبون، تزامناً مثيراً بين هذا الطموح وبين المخاوف الاسرائيلية من ظهور ايران نووية في المنطقة تفقدها سطوتها النووية على دول المنطقة. كما لاحظ المراقبون صمتاً مريباً من الدول الخليجية، لاسيما السعودية من التصعيد في الحرب الكلامية بين ايران وامريكا، و وضع الخيار العسكري على طاولة البحث في وسائل الضغط على ايران للتخلّي عن مشروعها النووي، لكن هذا الصمت تحول الى صراخ، عندما تغيرت معادلة الصراع الايراني – الغربي ليكون الحوار والتفاهم هو سيد الموقف، وإبعاد خيار الحرب عن الطاولة تماماً، وربما شعر السعوديون ومعهم الخليجيون أن التهديدات الامريكية لايران، بل حتى العقوبات الدولية والحظر الاقتصادي، وغيرها من الضغوط، ما هي إلا مقدمات لحوار أكثر عمقاً بين طهران وواشنطن، وبالنتيجة لن يكون من نصيبهم سوى الضحك على ذقنهم وسذاجتهم..! فقد أكدت التقارير الواردة من ايران، إن تجربة الحصار الاقتصادي التي جربها الغرب على ايران منذ الثمانينات، لم تثمر إلا عن تماسك بين الشعب الايراني وحكومته، كما دفع بالعقول الايرانية – من باب الحاجة أم الاختراع- لأن يبدعوا ويبتكروا في مجالات شتى للتعويض عن النقص الحاصل في المواد الأولية المحركة لعجلة الانتاج، أو للتعويض عما كانوا يعتمدون عليه من الخارج، في مجالات الطب والصناعة والنفط والطاقة والاتصالات وغيرها. وبالمحصلة؛ فان امريكا تتفاوض مع بلد يثبت قوته ومتانته وتوازنه الى حدٍ ما، ولتحفظ مصالحها في المنطقة.

بيد مراقبين آخرين يرون أسباباً أخرى وراء الموقف السعودي المثير على الصعيد الدولي، فالتذمّر من صعود الدور الايراني في المنطقة، أو انزعاج وزير الخارجية السعودي من تجاهله من نظرائه الغربيين في الأمم المتحدة والإنعطافه الكبيرة نحو الوزير الايراني “محمد جواد ظريف”، وغيرها من الاثارات الإعلامية، لن يكون السبب الوحيد وراء موقف بهذا الحجم، وبتبعات لا تجهلها الرياض اقليمياً ودولياً. لذا ثمة اشارة الى مسألتين على الصعيد الدولي والاقليمي:

الأولى: إن السعودية في حال جلوسها على المقعد غير الدائم في مجلس الأمن الدولي، سيتعين عليها الالتزام بملف حقوق الانسان ذو الاهمية البالغة لدى المنظمة الدولية، وطالما شكت المنظمات الانسانية الدولية من ممارسات قمعية بحق معارضين سعوديين، وسياسة كبت الحريات وقمع المطالبين بإزالة التمييز الطائفي والتوزيع العادل للثروة. وربما كان قبول مجلس الأمن بهذه العضوية، هو لوضع السعودية على سلّم الالتزام بالمواثيق الدولية الخاصة باحترام حقوق الانسان وحرية التعبير، وهذا ما يشكل تحدّياً خطيراً لحكام الرياض المعروف عنهم هشاشتهم الداخلية وحساسية الجدار الذي يستندون عليه، فيما يتعلق بمسألة حقوق المواطنة، إذ يشكون السعوديون من وجود شريحة من الأمراء يبلغ عددهم (15)ألف أمير كلهم يحملون لقب “آل سعود”، ويستنزفون ملايين بل مليارات الريالات من أموال الشعب السعودي.

أم المسألة الثانية: فهي تتعلق بالقضية الفلسطينية. وهنا ثمة مفارقة كبيرة، حيث يشير معظم المراقبين الى أن مجلس الأمن الدولي الذي تنتقده السعودية، يشهد للمرة الاولى من سنوات عديدة إجماعاً على مسألة سلمية في الشرق الأوسط، وهي تنعكس على العالم بأجمع، ألا وهي ملف الأسلحة الكيماوية السورية، حيث تم الاتفاق الدولي على تدمير هذه الأسلحة، من خلال صفقة سياسية تمت بين روسيا الداعم لدمشق، وبين امريكا والغرب، وكان اكبر الرابحين هو الرئيس السوري بشار الأسد، واكبر الخاسرين هو الملك السعودي عبد الله..! وكان بإمكان السعودية وهي على مقعدها في مجلس الأمن الدولي، أن تقود حملة عربية – اسلامية لتدمير ترسانة اسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط برمتها، وهو يشمل ما تمتلكه اسرائيل. هذه المطالبة ربما كانت كافية لأن تكون باباً أو ثغرة لاختراق جدار التأييد الأمريكي للكيان الصهيوني وتعزيز موقف الجانب الفلسطيني المفاوض على مسألة تحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ومن ثم كسب ما يمكن كسبه من الامتيازات للفلسطينيين، بما هو مستبعد وحتى منسي عند الفلسطينيين انفسهم، بسبب التعنّت الاسرائيلي وسياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها واشنطن بحقهم.

وهذا ما يمكن أن نستشفه من بيان البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة، الداعي الى إعادة الرياض النظر في موقفها، واستحصال بيان عن السفراء العرب لدى الأمم المتحدة “يتمنى على السعودية مراجعة قرارها”، حسب وكالة الانباء الفلسطينية. وجاء في البيان “نتمنى على المملكة العربية السعودية المحافظة على عضويتها بمجلس الأمن، لمواصلة دورها المبدئي والشجاع بالدفاع عن قضايانا وتحديدا من على منبر مجلس الأمن”.

ومن الجدير ذكره، أن ايران بذلت مساعي كبيرة طيلة السنوات الماضية لأن تحظى بمقعد في مجلس الأمن الدولي، لكن هذه الأمنية كانت تبدد سريعاً من قبل الامريكيين وكذلك الاسرائيليين، الذين كانوا يحاولون الإبقاء على ايران محاصرة ومقيدة ضمن حدودها، بينما نلاحظ “الدلال” الغربي – الامريكي للسعودية طيلة السنوات والعقود الماضية، انتهاكات فضيعة لحقوق الانسان، وسياسة قمع واضطهاد في الداخل، وسياسة تخريب وترهيب في الخارج، ثم يأتي اليوم الذي تترشح لأن تكون عضواً في أكبر محفل دولي في العالم، ثم تضربه بعرض الحائط لانزعاجها من حصول خلل او تراجع في هذا “الدلال”. حقاً إنها السذاجة السياسية التي ربما تؤدي الى نتائج خطيرة على حكام الرياض.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here