تجفيف منابع الإرهاب في العراق… الى أين؟

0
1291

محمد علي جواد تقي

أجزم بعدم جهل المسؤولين والمعنيين عن الملف الأمني في العراق، بكون حالة الفقر والحرمان تشكل أحد أهم عوامل رفد الجماعات الارهابية بالعناصر المنفذة لمختلف أنواع الجرائم مقابل المال. وليست دور الصفيح و الأحياء المعروفة بـ “التجاوز” أو “الحواسم”، في بعض مناطق ضواحي العاصمة بغداد، وايضاً بعض المحافظات، تشكل حواضن ومنابع لممارسة الجريمة المنظمة. ثم هنالك الحديث عبر وسائل الاعلام، وفي الندوات وخلف الكواليس عن هذه المعضلة الاجتماعية الخطيرة، لكن يبدو ان هذه الاحاديث، مجرد لإسقاط الواجب، وألا يتهم المسؤولون بالجهل. ولابد من التأكيد قبل الشروع بمناقشة علاقة الفقر بالعمليات الارهابية، أن “الفقر” كظاهرة اجتماعية واقتصادية مزدوجة، ليست بالضرورة تمثل الباب الأوسع للجماعات الارهابية والتكفيرية في العراق، تتمكن من خلالها تجنيد الشباب والعاطل والباحث عن المال، لتنفيذ عملياتها الاجرامية، فنحن نلاحظ آلاف الشباب في الساعات الاولى من صباح كل يوم، عند تجمعات عمال البناء “المسطر”، ينتظرون فرص العمل ورزق الله تعالى. كما نلاحظ أعداد كبيرة من الشباب وحتى الاطفال، يملؤون الاسواق والمناطق التجارية، وهم بين من يعرض بضاعته على الرصيف أو يدفع عتلة لنقل السلع والبضائع وغير ذلك. أو يجلس خلف مكاتب استعلامات الفنادق وغير ذلك.. لكن بشكل عام؛ يكاد تتفق كلمة الباحثين والمختصين على أن الفقر هو من دوافع انتشار حالة العنف والتوتر في المجتمع.

وربما يكون شريط الفيديو الذي سربته بعض الجهات عبر وسائل الاتصال، لفتى صغير، وهو يدلي باعتراف صريح بتنفيذه عملية تفجير مجلس عزاء في منطقة “الصدر” ببغداد الشهر الماضي، مما تسبب في استشهاد وجرح الشعرات من الحاضرين، مناسبة جديدة لطرح الموضوع بإلحاح على طاولة البحث أمام المسؤولين المعنيين. الفتى الصغير الذي لا يتجاوز عمره الخامس عشرة من العمر، يسكن منطقة “الحواسم” في ناحية “الرشاد”، إحدى ضواحي بغداد، و”الحواسم” تسمية يطلقها العراقيون على حالة اللصوصية وسرقة الأثاث من الدوائر الحكومية

التي انتشرت في الساعات الاولى لانهيار النظام الصدامي. يقول الشاب الصغير بالضرس القاطع ، أنه نفذ جريمته مقابل (600) دولار فقط.

لنقل أن الجهل والتضليل، هو الذي أوصل الجماعات الارهابية الى منفذي التفجيرات بالعبوات الناسفة او السيارات المفخخة، سواء كان المنفذ فقيراً مدقعاً، أو في إحدى درجات الفقر. لكن هل إظهار العجز عن مواجهة التحدي العقائدي والايديولوجي من جانب الحكومة ومؤسسات الدولة، وعدم وجود القاسم المشترك الذي يجمع جميع العراقيين على هوية واحدة، يمكن أن يكون سبباً لتجاهل العامل الآخر لتجنيد الارهابيين وهو الفقر بحد ذاته؟

هنالك أرقام وإحصائيات لا يمكن السكوت عنها في بلد يعد في نظر الخبراء، الأغنى بين دول العالم، فقد أصدر المركز الوطني لحقوق الانسان في وزارة حقوق الانسان، تقريراً، و تناول متوسط انفاق الفرد الشهري، وشدة الفقر في العراق حسب البيئة ومدى التفاوت بين المحافظات العراقية اضافة الى الابعاد الرئيسة ذات الصلة بالفقر كالبطالة والأمية.

أشار التقرير الذي نشر على الموقع الرسمي للوزارة، الى ان العراق يعتبر من البلدان الغنية بالموارد النفطية الا ان مستوى انفاق الفرد يعتبر متدنيا مقارنة بالبلدان المجاورة. و أضاف التقرير أن الاحصائيات تشير الى ان ( 18.9% ) من سكان العراق هم دون مستوى خط الفقر ويبلغ عدد السكان الفقراء (6,4 ) مليون نسمة ولا سيما بين سكان الأرياف.

هذه إحصائية بسيطة لحالة الفقر في العراق الذي يسعى باستمرار لزيادة في تصدير نفطه ليتجاوز المليونين برميل في اليوم، ونقلاً عن المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط، عاصم جهاد، فان العراق تجاوز عتبة (المليوني) برميل، ليتصل صادراته خلال شهر آب الماضي، الى (2.579) مليون برميل يومياً، وجنى وارادات قدرها (8.3) مليار دولار. واذا كنا نبحث عن معالجة لهذه الظاهرة علّنا نسهم – وتسهم الحكومة- معنا في تطويق ظاهرة العنف والإرهاب في المجتمع، لنستمع الى نائب في البرلمان العراقي عن كتلة “دولة القانون” وهو يعد فقراء العراق أفضل حالاً من نظرائهم في أمريكا..! قياساً منه، بين النسبة المتقاربة للفقر في كل من العراق و أمريكا. وقال: “على فقراء العراق أن يكونوا ممتنين للسيد المالكي لانه رفع مستوى معيشتهم و أصبح بإمكان الكثير منهم اقتناء ثلاجة او مبردة او حتى جالكسي فور و ايفون فايف..”!

أما اذا اردنا التقدم خطوات أبعد لإنعاش الاقتصاد، وليس فقط إنهاء البطالة والفقر، وصولاً على “التنمية المستدامة”، كما عبر عنها نائب رئيس الجمهورية، خضير خزاعي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فانه دعا العالم لمساعدة العراق على “تجفيف منابع الارهاب وإرساء السلم الاجتماعي”.. وعندما نصل الى الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة التي يتزعمها نوري المالكي، فإننا سنجد قوة السلاح شاخصة أمامنا بكافة اشكالها واحجامها الباهرة. وطالما تحدث المالكي عن مطاردته الجماعات الارهابية عبر الحقول والمستنقعات والصحاري. وفي الوقت توجه الى الجانب الاقتصادي من المعضلة، فقد المنح المالية وأوجد فرص عمل كثيرة للشباب والعاطلين في المناطق التي تنطلق منها – على الأغلب – العمليات الارهابية، مثل محافظات الانبار والموصل وديالى، لكن الجميع يلاحظ أن العديد من هؤلاء، أثرى وتحول من حالة الفقر الى حالة أخرى، لكنه بعد لم يتحسس وجوده ضمن كيان المجتمع العراقي الواحد، وأنه مسؤول عن أمن منطقته وابناء شعبه، وبعبارة؛ أنه ضمن معادلة “الحقوق والواجبات”.

إن بتر العلاقة بين الفقر كظاهرة اجتماعية واقتصادية سائدة في جميع بلاد العالم، وبين الجماعات الارهابية والتكفيرية الطارئة، ليس بالأمر الصعب والمعقد، بل حتى لا تحتاج الى توزيع الاموال على بيوت الصفيح، إنما الامر بحاجة الى خطوات ملموسة في الجانب الانساني، فإزالة أي ظاهرة من ظواهر الحرمان، من الصحة والتعليم والعمل والسكن، ولو بدرجات معينة، كفيل بأن يرفع الانسان الى مستوى الشعور بالمسؤولية إزاء نفسه والآخرين. وهذا ممكن تحقيقه اذا ما تغيرت نظرة الحكومة الى الانسان الفقير والمعدم الذي لا يمتلك المؤهلات العلمية، ولا المكانة الاجتماعية، واتجهت نحو التوزيع العادل للثروة، ومنحت فرص التعيين والعمل والخدمات كافة للجميع. وأكثر من ذلك، إجراء مسح ميداني على جميع المناطق السكنية العشوائية في العراق، وإحصاء عدد البالغين من الجنسين، ومن هم مؤهلين للتعليم، ومن يحمل عاهات مستديمة، او مصاب بأمراض نفسية أو مشكلة أخرى يُحار في حلّها والتخلّص منها.

هذه الخطوة تمثل البداية الحسنة والتمهيد باتجاه التوعية والتثقيف، فالمواطن في هذه الحالة، سيجد نفسه كريماً ومكتفياً الى حد ما، وبإمكانه استقبال التوجيهات الثقافية والفكرية، وهذا بدوره يغلق الباب بوجه أي تيار ثقافي وافد من الخارج.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here