الدولة الريعية والانحدار نحو الهاوية

0
718

علي حسين عبيد

الدولة الريعية في التعريف المباشر لها، تعني الاعتماد الكلي على مصدر دعم اقتصادي واحد، يتمثل بامتلاكها لمعدن او ثروة طبيعية كالنفط مثلا، وتبقى هذه الدولة تعتمد في اقتصادها على انتاج النفط، ليشكل لها مصدرا ماليا وحيدا، يمول احتياجات شعبها، ويجعل اقتصادها ذا مسار واحد، يتمثل بالطابع الاستهلاكي البحت، الذي يخلو من الانتاج، والرؤية التي تحد من خطر الطابع الريعي لتلك الدولة.

مثالنا على الدولة معظم دول الخليج العربي، إذ أنها تمتلك ثروة نفطية كبيرة، ويتصدر الاحتياطي النفطي لها ما تختزنه الارض، فتتقدم دول الخليج كالسعودية على معظم دول العالم من حيث الثروة النفطية، ولعل الخطأ الاقتصادي الاستراتيجي لهذه الدول الريعية، يكمن في اعتمادها على النفط في تنمية بلدانها وادارة اقتصادها، مع معرفة أن النفط والثروات المعدنية وسواها، معرضة للنضوب مع مرور الوقت، بمعنى اوضح أن اليوم الذي سنتنتهي فيه ثروة النفط او سواه قادم لا ريب، ولا يمكن ان تستمر ثروة النفط تتدفق بالاموال على الدول التي تملكها الى الابد، بل تم تحديد وقت نفاذ تقريبي لهذه الثروات، ومع ذلك لم تبذل هذه الدول ما يكفي من جهد وتخطيط وتنفيذ لانقاذ دولها وشعوبها من الطابع الريعي لاقتصادها.

ولعلنا لا نخطئ اذا قلنا أن العراق يمضي بخطوات حثيثة لكي يصبح دولة ريعية، تعتمد على مصدر اقتصادي رئيسي واحد هو النفط ايضا، فقد توقع رئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء ثامر الغضبان، في وقت سابق ان يصل انتاج العراق النفطي بحلول العام الحالي الى 4 ملايين برميل يوميا والصادرات الى 2.9 مليون برميل يوميا في المتوسط. وقال الغضبان، من المرجح أن يبلغ إنتاج العراق من النفط 3.4 مليون برميل يوميا والصادرات 2.9 مليون برميل يوميا في المتوسط بحلول العام الجاري. فيما يشير المراقبون الى ان الانتاج النفطي في العراق، يرتفع بصورة مضطردة، اذ كشفت شركة تسويق النفط العراقية (سومو) عن ارتفاع معدل صادرات النفط العراقي، الى اعلى مستوى، منذ اكثر من ثلاثين عاما، بمعدل مليونين و565 الف برميل يوميا ، واكدت ان الايرادات المتحققة زادت الى  ثمانية مليارات و442 مليون دولار. ويؤكد مختصون بالشؤون النفطية، الى انه من المتوقع أن يصبح العراق، الذي يتعافى من أعوام من الحرب والعقوبات؛ أحد أكبر المصادر لإمدادات النفط الجديدة في العالم في حين يعيد بناء القطاع بعد توقيع عقود كبيرة لحقوله النفطية في جنوب البلاد مع شركات أجنبية.

هكذا تشير هذه المعلومات الدقيقة الى التركيز العراقي الكبير على انتاج النفط بكميات كبيرة، مع استمرار الانتاج بالتصاعد، الامر الذي يعود على البلد بإيرادات مالية كبيرة وضخمة، ومع توافر الجانب الايجابي في هذا الامر، لكن الخطر الكبير يتمثل بتحوّل العراق الى دولة ريعية لا تنتج سوى النفط من خلال التعاقد مع الشركات الدولية الكبرى، ليصبح العراق بلدا مستهلكا، يعتمد في اقتصاده وحياة شعبه على المصدر الطبيعي او الثروة النفطية فقط، ليواصل حياته كشعب لا علاقة له بالانتاج، وعلاقته محصورة بالاستهلاك فقط! وهنا يكمن الخطر.

لأننا نتفق على حتمية نضوب ثروة النفط مستقبلا، لذا ينبغي حفظ حقوق الاجيال القادمة، لكن ما هو متفق عليه أن الدولة الريعية او ذات الاقتصاد الريعي من المستحيل أن تحافظ على حصة الاجيال القادمة من الثروة، كونها تركز على الاستهلاك فقط كما يحدث في العراق الآن، لذا ينبغي التحرك الفوري من لدن الحكومة والمعنيين بالاقتصاد العراقي والتخطيط له الى الترك نحو نقل البلد واقتصاده من الطابع الريعي الاستهلاكي البحت، الى الطابع الانتاجي الراسخ والمتطور، ويمكن أن يحدث هذا من خلا اتخاذ خطوات اجرائية يقوم بها متخصصون في التخطيط الاقتصادي منها:

– التخطيط العملي الفوري الى تنويع مصادر الايرادات وعدم الاعتماد على النفط كمصدر مالي وحيد.

– حتمية نقل الاقتصاد من الطابع الاستهلاكي الى الانتاجي المتنوع من خلال تحديث البنية الصناعة واعادة تأهيل المصانع والمعامل، والحد من العوائق التي توضع كحجر عثرة في طريق الانتاج، مثل قضية توفير الطاقة الكهربائية للمعامل والمصانع الكبيرة وحتى الصغيرة منها.

– التفكير الجدي بالاجيال القادمة من خلال ادخار جانبا من الثروة الطبيعة لهم، وضمان ذلك وفق تشريعات ملزمة لا يجوز غض الطرف عنها.

– التخطيط المنظم لاعادة الروح الى المشاريع الانتاجية الكبيرة والصغيرة حتى البيتية منها.

– محاربة النزعة الاستهلاكية البحتى على مستوى الافراد ومؤسسات الدولة وتشجيع كل ما يحث على التحول الى الانتاج اولا.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here