صعود «الوسط» الإيراني

0
991
سالم مشكورrouhani
حظيت الانتخابات الايرانية الاخيرة لمجلسي الشورى (البرلمان) ومجلس القيادة الذي يتولى اختيار المرشد ومراقبة أدائه، بكثير من الاهتمام الخارجي، بشقيه الاقليمي والدولي. دوافع الاهتمام هي معرفة ما ستكون عليه السياسة الخارجية الايرانية في المرحلة القادمة، بناء على نتائج الانتخابات. كثير من الايرانيين يرد بالقول أن السياسة الخارجية الايرانية لن تتأثر بمن يكون في الحكومة لأنها من اختصاصات المرشد (الملقب في الدستور بالقائد). هذا الامر صحيح مبدئيا، إن ينص الدستور على ذلك، الّا أن التجرية أثبتت أن الرئيس وتوجهاته تلعب دورا في الاداء الخارجي الايراني، سواء كان بالقدرة على اقناع المرشد بسياسات معينة، أو بتطويع آليات تنفيذ السياسة الخارجية بما يجعلها قريبة من منهج الاعتدال والمرونة. قدرة الاقناع تكون مؤثرة إذا جاءت من رئيس لا يثير لدى المرشد شكوكاً حول حفظ المبادئ العامة التي تقوم عليها السياسة الايرانية عموما، وشقها الخارجي خصوصاً. هذا ما تعهد به الرئيس الايراني حسن روحاني للمرشد بعيد توليه الرئاسة وأثبته عمليا في موضوع الملف النووي والتفاوض الماراثوني الذي جرى مع الغرب بشأنه، إذ جاءت النتيجة لتحقق مكاسب لإيران دون أن تعني خسارة للباقين. هكذا وقف روحاني مخاطبا شعبه فور اعلان الاتفاق ليغير في السياسة الخارجية قاعدة «مكسب ايران مقابل خسارة الآخر» الى قاعدة «رابح مقابل رابح» التي أدت الى انهاء ملف معقد في علاقات ايران بالغرب، كانت مفاعليه في المنطقة كبيرة.
يترأس روحاني كتلة جديدة ظهرت على الساحة السياسية الايرانية عرفت بالمعتدلين، وهم تيار وسط بين من يعرفون بالاصلاحيين وآخرين يعرفون بالمحافظين المتشددين. المعتدلون هم من الجبهة المعروفة بـالمحافظة لكنهم تميزوا بمواقف أكثر مرونة وبراغماتية من متشددي المحافظين الذين سيطروا على البرلمان وشورى القيادة لدورات عدة مستفيدين من أدوات السلطة لديهم، ومن تطرف خطاب بعض الاصلاحيين الذي بدا وكأنه يأخذ بإيران بعيدا عن نظامها الحالي ومتبنياته الفكرية والسياسية.
نجاح سياسة الرئيس روحاني في حل النزاع الايراني الغربي وما بعثه من آمال في انتقال ايران الى مرحلة جديدة من التعاطي مع الغرب المنعكس على الوضع الاقتصادي الداخلي، هو الذي دفع بالكثير من الناخبين الى دعم قائمته التي فاقت مقاعدها ما حصل عليه الاصلاحيون، لكنهما يشكلان معا أغلبية الثلثين تقريبا في البرلمان الجديد، فيما حصلوا على أغلبية مقاعد شورى القيادة أيضا. الناخبون كانوا مدفوعين بقلق من أن الاتفاق النووي قد يتعرض للاعاقة من قبل المتشددين فيما لو واصلوا وجودهم الاغلبي في مجالس القرار والتشريع، خصوصا وان هؤلاء أبدوا معارضتهم الواضحة للاتفاق، وبعد توقيعه مارسوا عملية تشكيك بالتزام الغرب به، الى جانب الغمز من زاوية التنازلات التي قدمت من الجانب الايراني، والتي لم تتضح طبيعتها حتى الآن.
منذ الاطاحة بنظام الشاه وحتى اليوم مرت الساحة الايرانية بتحولات طبيعية لم تكن بمنأى عن تأثير الظروف السائدة. مرحلة الثورة ومشاعرها التي استمرت بعد نجاحها، ثم مرحلة هيمنة التيار المحافظ الذي يبرر تشدده بالمحافظة على المنجز السياسي، خصوصا في مرحلة الحرب العراقية الايرانية، ثم صعود التيار الاصلاحي كرد فعل عنيف على مرحلة التشدد، ليفرز الوضع مؤخرا تياراً يوصف بالاعتدال يجمع بين المبادئ والنزوع الى تطوير الاداء بما يحقق مصالح ايران ويحفظ مكانتها الاقليمية والدولية.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here