الكورد الفيليون الذين صاروا حطبا للأحزاب في العراق

0
930
زهير كاظم عبود
وهكذا تمضي 13 سنة على إنهاء العراق حقبة الدكتاتورية دون ان يلتفت احد الى مأساة الكورد الفيليين ، وهذا الإجحاف والتهميش ساهمت به فرقتهم وتشتتهم ، فقد صاروا كتلا وجماعات داخل الأحزاب الإسلامية والعلمانية ، وتباروا في الإخلاص لتلك الأحزاب التي تناست قضيتهم إلا في الخطابات السياسية والمناسبات الوطنية ، تلك الأحزاب التي صيرتهم حطبا ووقودا للوصول إلى السلطة ، وبقيت مأساتهم وقضيتهم دون أن تأخذ ولو حدها الأدنى في الاهتمام والتقدير .
ما لحق الكورد الفيليين لم يسجله التاريخ العراقي القديم والحديث ،  فقد تعرض الفيليين في العراق مالم تتعرض له أية شريحة على مر التاريخ ، فحين تم تسفير اليهود العراقيين وسلب ممتلكاتهم الشخصية وتعرضهم للفرهود ، جنحت الحكومة العراقية الى حجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة ضمن دائرة رسمية بأسم ( دائرة الأموال المجمدة ) ، ويفترض أن تقوم الدائرة المذكورة بإدارة ممتلكاتهم وعقاراتهم وحقوقهم وفق القانون ، إلا أن الفيليين وهم من أهل العراق الأصلاء ، تعرضوا ليس فقط إلى ابتزاز ونذالة الحكومة العراقية في حينها ، بل مورست بحقهم أنواع من الضيم والظلم الإنساني لم يحرك ضمير الإنسانية في الأمم المتحدة وحقوق الإنسان ، ولا هزت شعرة من ضمير الحكومات المتجاورة للعراق .
بقيت جروح الفيليين نازفة إلى اليوم ، وزاد من عمق هذه الجراح غياب أولادهم ضمن التجارب الكيمياوية التي مارسها نظام صدام عليهم ، وحجز الالاف منهم ، ومن ثم دفنهم وهم احياء في مقابر مجهولة حتى اليوم ، ولم تكلف الحكومات المتعاقبة نفسها لمعرفة اماكن دفنهم ، ولا اهتمت سلطات التحقيق بحل هذا اللغز ، الذي لم يزل حتى اليوم يزيد من مرارة الظلم والحيف الذي لحقهم ، وهم الذين تعرضوا لسلب اموالهم وعقاراتهم بشكل همجي وغير قانوني وبعيد عن أدنى أساليب الإنسانية ، وهم الذين تم تجريدهم من مستنداتهم الرسمية ومن ممتلكاتهم الشخصية ، وتم رميهم على الحدود في حين بقي أولادهم وقلوبهم معلقة في العراق .
ونعتقد أن أي ضمير منصف يدرك ان المحنة التي تعرض لها الفيليين من قبل أقذر وأشرس جهاز في العراق ، وهو جهاز الأمن العام الذي اشتهر بعناصره الدنيئة وانذالة الموغلين في إحداث الألم والقسوة في نفوس وكرامة وأجساد العراقيين ، والمشهور بأساليب التعذيب النفسي والجسدي التي تخرج عن حدود العقل والمنطق ،  فقد مورست بحقهم شتى أنواع الممارسات الدنيئة والإجرامية دون روادع إنسانية أو حدود أخلاقية .
تمكنت الكتل والأحزاب السياسية أن تضعف من موقف ووحدة الكورد الفيليين ، وان تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تشتيت دفاعهم عن حقوقهم ، وأنسحب هذا التشتيت والتسويف الى جميع الحكومات ومجالس النواب التي تعاقبت على حكم العراق طيلة هذه الفترة الفائتة ، وبقي صوت الفيليين يبحث عن الحقوق الإنسانية التي ضيعها النظام الصدامي البائد ، والتي أشاح النظام الجديد بوجهه عنها ، فلم تكن هناك الا البيانات والخطابات التي لم تشبع أرواح الباحثين عن أولادهم ، ولم تهدأ أرواح الثاكلات بفقدان فلذاتهم ، ولم تساهم في إيجاد حلول مقبولة لمصير هؤلاء ، ولا سنت مجالس النواب قانونا يعيد الحقوق إلى نصابها ، ولاتم تخصيص دائرة حكومية تضم وثائق وممتلكات ومستندات الفيليين .
وبقيت قضية الكورد الفيليين ورقة رابحة تلعب بها الأحزاب الدينية والقومية ، فصيرتهم الوقود الذي تستمد منه ديمومتها ، والأصوات التي تستند عليها في الوصول إلى كراسي السلطة ، ودفعتهم دفعا إلى تشكيل مكاتب وتجمعات وجمعيات ومنظمات تتقاطع وتتباعد غير أن قضيتهم الأساسية واحدة ، ودافعهم واحد أيضا إلا أن تقييد الالتزامات السياسية والقومية والطائفية مايقيد وقوفهم جميعا في صف واحد ، وما يقيد  تشكيلهم كتلة سياسية قائمة بحد ذاتها .

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here