السعودية وإيران.. اقل من حرب واكثر من ازمة

0
866

عبد الامير رويح

مع تطور واتساع الخلافات والتوترات بين السعودية وإيران، التي تفاقمت بشكل خطير في الفترة الاخيرة بعد ان اقدمت السلطات السعودية على إعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر، وما اعقبها من احداث ومواقف وصلت الى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتصاعد لهجة التهديد والوعيد، تفاقمت المخاوف الدولية من دخول منطقة الشّرق الأوسط المضطربة في ازمة جديدة وصراع خطير، قد يقود وبحسب بعض المصادر الى حدوث حرب طائفية اقليمية واعمال عنف قد تجتاح العالم بأسره، خصوصا بعد ان سعت بعض الدول الى مساندة السعودية من خلال قطع او تخفيض مستوى العلاقات مع ايران لأسباب طائفية كما يقول بعض المراقبين.

وهوما صعد حدة التوتر بين القوتين الرئيسيتين في الخليج، وقد اتهمت إيران السعودية بارتكاب جرائم غير مقبولة بإعدام الشيخ نمر النمر وقصف سفارتها في اليمن، لكن المحللين السعوديين يرون أن إيران هي من بدأت بتصعيد الموقوف بعد تعرض السفارة السعودية لدى طهران للهجوم، مشيرين إلى أن التدخلات الإيرانية في شؤون الدول المجاورة تؤدي إلى مزيد من الصراعات بين الشيعة والسنة.

من جانب آخر، أشار محللون إلى أن تصاعد التوتر بين السعودية وإيران سيؤدي إلى ضغوط سلبية على تحسن الوضع الإقليمي وخاصة في الأزمتين اليمنية والسورية اللتين بدأت المفاوضات حولهما منذ فترة، وتسعى السعودية التي تحاول تحجيم النفود الإيراني ومن خلال تحركات مكثفة اقناع دول اخرى بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وفيما يخص اخر التطورات في هذا الشأن فقد أوردت مجلة إيكونوميست البريطانية قول ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن نشوب حرب بين بلاده وإيران سيكون إيذانا بكارثة وإن الرياض لن تسمح بها. ونقلت عنه قوله في مقابلة “هذا شيء لا نتوقعه على الإطلاق وأيا كان من يدفع في هذا الاتجاه فهو شخص لا يتمتع برجاحة العقل.” وأضاف محمد وهو أيضا وزير الدفاع أن الرياض قلقة مما تراه ميلا من الولايات المتحدة للعب دور أقل في الشرق الأوسط. وقال “على الولايات المتحدة أن تدرك أنها البلد رقم واحد في العالم وعليها أن تتصرف على هذا الأساس.”

الأزمة قد تزعزع ميزان القوى الاقليمية

في المرة السابقة التي قطعت فيها السعودية علاقاتها مع ايران بعد أن اقتحم محتجون سفارتها في طهران عام 1988 تطلب رأب هذا الصدع تحولا في ميزان القوى الاقليمية جاء في صورة الاجتياح العراقي للكويت عام 1990. ومن الصعب أن يتوقع المرء تطورا أقل ضخامة من ذلك الحدث لحل مشكلة التنافس الشديد بين البلدين والذي كان عاملا رئيسيا في حروب وخلافات سياسية في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط أيدت فيها الرياض وطهران أطرافا متناحرة.

وارتفعت حرارة الخلاف مرة أخرى لتزيد من صعوبة حل الصراع الرئيسي في المنطقة بقرار الرياض طرد السفير الايراني وقطع العلاقات بعد اقتحام سفارتها من جديد في طهران ردا على إعدامها رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر. ويقول دبلوماسيون إن لب الأزمة الجديدة يكمن في رغبة متنامية لدى السعودية لمواجهة ايران وحلفائها عسكريا قبل عام منذ تولى الملك سلمان مقاليد الحكم واختار مع نجله الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد التخلي عن سنوات ظلت خلالها المملكة تتعامل مع القضايا من خلال مداولات الغرف الخلفية.

وفي العام الماضي بدأت الرياض حربا في اليمن لمنع قوات الحوثيين المتحالفين مع ايران من الاستيلاء على السلطة وعززت دعمها للمعارضة السورية التي تحارب الرئيس السوري بشار الأسد حليف طهران. ويقول محللون سياسيون إن إعدام النمر حركته في الأساس عوامل سياسية داخلية لكنه يرتبط أيضا بالمواجهة المفتوحة مع ايران.

وجاءت هذه التدخلات في أعقاب شكاوى سعودية على مر السنين مما تعتبره الرياض عدوانا ايرانيا منطلقا بلا رقيب أو حسيب في المنطقة. وتشير السعودية إلى دعم ايران للفصائل الشيعية وتتهمها بتهريب السلاح إلى جماعات في دول خليجية. وتنفي ايران هذه الاتهامات. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن الرياض لن تتراجع عن موقفها “لن نسمح لايران بزعزعة استقرار منطقتنا. ولن نسمح لايران بالحاق الأذى بمواطنينا ومواطني حلفائنا وسوف نرد.” كذلك فإن القرارات السعودية في سوريا واليمن جاءت في جانب منها ردا على الاتفاق النووي الايراني مع القوى العالمية والذي من شأنه رفع العقوبات المفروضة على طهران وهو ما يعني من الناحية النظرية إتاحة المزيد من الموارد المالية والمجال السياسي لمواصلة أنشطتها في المنطقة.

وكان من شأن الأزمة الجديدة أن عززت فرص حدوث مواجهة أوسع نطاقا بين الحلفاء الذين يمكن لكل من الطرفين الاستعانة بهم في المنطقة. وقد قرر بعض حلفاء الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران بعد الهجوم على السفارة وفي الوقت نفسه حذرت ايران من العواقب. وربما تؤدي سلسلة ردود الفعل هذه الآن إلى تعقيد المحادثات السياسية المعقدة بشأن تشكيل حكومة في لبنان والمساعي الرامية لجمع أطراف الحرب الأهلية السورية على مائدة التفاوض والمفاوضات المتوقفة الرامية لانهاء الحرب الأهلية في اليمن وكذلك التقارب بين الرياض وبغداد.

حتى الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت السعودية وايران حليفين يعتبران من أعمدة استراتيجية واشنطن للحد من النفوذ السوفيتي في منطقة الخليج. ولم يكن للعامل المذهبي دور في العلاقات. لكن السعودية بدأت تعمل على الترويج للتيار السلفي الذي يعتبر المذهب الشيعي خروجا على صحيح الدين وذلك من خلال المساجد في مختلف أنحاء المنطقة. وبعد الثورة الاسلامية عام 1979 تبنت ايران – بل وعملت على تصدير – مبدأ ولاية الفقيه الذي يركز السلطة الدنيوية بين الشيعة في يدي الزعيم الأعلى.

وأحدث هذا الانقسام المذهبي المتنامي ارتيابا متواصلا سرعان ما ضاهاه تنافس جيوسياسي أصبح محركا للعلاقات الصعبة التي ربطت بين البلدين في السنوات السبعة والثلاثين التالية. وبعد الحرب الايرانية العراقية بين عامي 1980 و1988 سعت ايران لتطوير استراتيجية تقوم على “الدفاع المتقدم” وسعت إلى استغلال العلاقات مع الشيعة العرب في تكوين ميليشيات وأحزاب سياسية يمكن أن تحول دون ظهور أعداء جدد وتمنحها القدرة على الردع من خلال قوات تعمل بالوكالة.

ونظرت الرياض بعين الارتياب لاستغلال طهران للجماعات الشيعية خشية أن تعمل على نشر الثورة في الدول المتحالفة مع السعودية وتعمل على زعزعة استقرار المنطقة. وقطعت السعودية العلاقات في عام 1988 عندما توفي دبلوماسي بعد اقتحام سفارتها في طهران في أعقاب توترات بسبب مقتل مئات الحجاج الايرانيين في اشتباكات مع الشرطة السعودية خلال موسم الحج. غير أنه عندما غزا جيش صدام حسين الكويت نحت طهران والرياض خلافاتهما جانبا من أجل التصدي للعدو المشترك.

لكن الإطاحة بصدام عام 2003 قلبت ميزان القوى الاقليمي رأسا على عقب حيث استخدمت ايران علاقاتها مع الطائفة الشيعية الكبيرة في العراق لتكتسب نفوذا في بغداد ما جعل المواجهة بين الرياض وطهران أكثر صراحة وتكرر هذا الأمر في اليمن وفي سوريا بعد انتفاضات الربيع العربي. من ناحية أخرى تسببت الحرب الأهلية في العراق في تأجيج التوترات الطائفية المتنامية إذ أرسل تنظيم القاعدة الذي يتبع تفسيرا متطرفا للسلفية مفجرين انتحاريين لمهاجمة المدنيين الشيعة الأمر الذي أدى إلى ردود دموية من الفصائل المسلحة المرتبطة بايران.

والآن يقول المحللون إن ثمة مجالا لمزيد من التصعيد سواء في ساحات القتال المختلفة في الشرق الأوسط حيث تؤيد ايران والسعودية قوى متعارضة أو على الصعيد الدبلوماسي مع استفادة الرياض من القنوات التي تربطها بالدول العربية والاسلامية في محاولة لعزل طهران. وقال كريم سجادبور الباحث ببرنامج الشرق الأوسط في مركز كارنيجي للسلام الدولي “منذ عام 1979 خاض البلدان صراعات عديدة بالوكالة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وكثيرا ما يتبادلان التهديدات والإهانات. لكنهما لم يصلا إلى حد الصراع الصريح واتفقا في النهاية على وفاق بارد.” بحسب رويترز.

ومن المرجح أن يحاول حتى الصقور في السعودية وايران تحاشي الصراع الشامل المفتوح. لكن التصعيد الأخير بين الخصمين الاقليميين يبين كيف يمكن للأحداث أن تحبط في بعض الأحيان الخطط الاستراتيجية. وبعد إعدام النمر قال الحرس الثوري الايراني إن “انتقاما قاسيا” سينزل بأسرة آل سعود الحاكمة في السعودية في المستقبل القريب. وقال عبد العزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث “الحرس الثوري جزء من الحكومة الايرانية ويجب أن تؤخذ تهديداته بجدية لأنه يسيطر على ميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن ولن أندهش إذا استخدمها في التحرك ضد السعوديين”.

السعودية والحرس الثوري

من جانب اخر قال نائب رئيس الحرس الثوري الإيراني إن السعودية “ستنهار” خلال السنوات القادمة إذا استمرت في انتهاج ما وصفه بسياساتها الطائفية في المنطقة. ونقلت وكالة فارس للأنباء عن البريجادير جنرال حسين سلامي قوله “سياسات النظام السعودي سيكون لها تأثير كتساقط قطع الدومينو وسيندفن تحت الانهيار الذي أحدثه.” وتابع “ما لم يصحح السعوديون مسارهم سينهار نظامهم خلال السنوات القادمة.”

وشبه سلامي السياسات السعودية بسياسات صدام حسين وقال “المسار الذي يسلكه النظام السعودي مثل المسار الذي سلكه صدام في الثمانينات والتسعينات. لقد بدأ حربا مع إيران وأعدم رجال دين بارزين ومسؤولين كبارا وقمع المعارضين وانتهى به الأمر إلى ذلك المصير البائس.” وأُعدم صدام عام 2006 بعد إدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لقتله 148 قرويا شيعيا بعد محاولة فاشلة لاغتياله عام 1982.

ووصف سلامي قرار الرياض بقطع العلاقات مع طهران بأنه “متهور وبغيض” وقال إن العنف في العراق وسوريا “نتيجة مباشرة للسياسات السعودية الطائفية في المنطقة.” وتوعد الحرس الثوري الإيراني الأسرة الحاكمة في السعودية “بانتقام شديد” لإعدامها النمر قائلا إن هذا “سيكلفها غاليا”.

وسارع الحرس الثوري الإيراني الى شجب إعدام رجل الدين السعودي الشيخ نمر النمر قائلا “لا شك أن النظام السعودي الكريه سيدفع ثمنا لهذه الفعلة الشائنة.” وبالنسبة لجهاز يشارك بقوة في الصراعين في سوريا والعراق فإن هذا التهديد لا يبدو فارغا على الأقل في أعين دول الخليج العربية السنية مثل السعودية التي تقول إن منافستها إيران الشيعية عاقدة العزم على تقويض أمنها.

ولا يمثل تنديد الحرس الثوري الغاضب دعوة لصراع مباشر مع الرياض وهو أمر لا تريده الدولتان. لكن هذه تذكرة لدول الخليج بأن الحرس الثوري الذي لديه اتصالات في السعودية ودول أخرى بالمنطقة لديه أساليب كثيرة ليخوض الحرب الباردة الطويلة بين طهران وخصومها العرب. وتنفي طهران التدخل في شؤون دول عربية. لكن فيلق القدس جناح الحرس الثوري الذي يعمل خارج البلاد ساهم بمقاتلين وأسلحة وإمدادات عسكرية لحماية مصالح إيران وسياساتها في أجزاء مختلفة من المنطقة.

ويثير هذا الاحتمال القلق في منطقة تنطوي الصراعات أو الأزمات السياسية فيها من لبنان الى سوريا واليمن والعراق والبحرين على وكلاء للخصمين الإقليميين. وبعد يوم من إصدار الحرس الثوري بيانه الذي وصف حكام السعودية بأنهم “رعاة للإرهاب وبغيضون ومعادون للإسلام”. ولا توجد دلالة مؤكدة على أن القيادة الإيرانية المنقسمة على نفسها قد اتفقت على المدى الذي ستذهب اليه في الثأر لإعدام النمر – الذي كان بين 47 شخصا أعدمتهم السعودية والأساليب التي ستلجأ لها.

لكن خبراء يقولون إنه مهما كانت الخطوات التي ستتخذها فإن من المرجح أن يلعب الحرس الثوري دورا وإن كان يرجح أن يكون دورا تخطيطيا وليس مشاركة مباشرة. وقال هلال خشان الأستاذ بالجامعة الأمريكية في بيروت “لن يرد الحرس (الثوري) مباشرة.” ويقول خشان “لهم عملاؤهم ورجالهم واتصالاتهم في كل مكان بالمنطقة الذين سيردون على ما فعله السعوديون وسيصعدون. إيران في موقف قوي جدا للرد في المنطقة الشرقية بالسعودية. كما تستطيع فعل الكثير في البحرين.”

ويقول خبراء إن الأصوات المعتدلة من الجانبين لا تريد تصعيد الموقف الى صراع شامل. لكن الخصمين يتنافسان عادة بطريقة غير مباشرة من خلال حلفاء وهو ما يجعل من الصعب التكهن بما سيحدث في هذه المنافسة. ربما يتشجع بعض وكلاء إيران بفعل التصريحات القوية الصادرة من طهران لينفذوا هجمات دون أن يعطيهم الحرس الثوري الإذن بذلك. وقال علي فائز كبير محللي الشؤون الإيرانية بمجموعة الأزمات الدولية “لا يريد الجانبان خروج التوترات عن نطاق السيطرة. الأرجح أن يمنعا تحول هذا الصراع البارد من التدهور الى صراع ساخن.” ومضى يقول “لكن التوترات بلغت مستويات مرتفعة جديدة في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى وهي تهدد بمواجهة مباشرة غير مقصودة.”

ويقول خبراء إن فيلق القدس اكتسب خبرة عسكرية قيمة في السنوات الأخيرة ويلعب الآن دورا مهيمنا داخل الحرس الثوري الإيراني. في بعض الحالات خاض مقاتلو الحرس ووكلاؤهم من المقاتلين الشيعة معارك ضد جماعات سنية تدعمها السعودية مباشرة في سوريا والعراق. ويشير خبراء الى أن الحرس الثوري كون شبكات معلومات بين السكان الشيعة في دول الخليج. ويقولون إن لديه القدرة على تقويض مصالح السعودية وحلفائها من خلال استغلال الشيعة المتعاطفين في إثارة الاضطرابات السياسية أو المشاركة في هجمات عنيفة.

وهناك عدد غير قليل من الشيعة في المنطقة الشرقية بالسعودية بينما أغلبية سكان البحرين من الشيعة ويعيشون في مملكة يحكمها السنة. وتركزت انتفاضة اندلعت في البحرين عام 2011 وتم إحباطها على الحصول على المزيد من الحقوق الديمقراطية للشيعة بالبلاد. وحذر الحرس الثوري في بيانه من أن شباب ومسلمي السعودية “سينتقمون بقسوة” وهو ما سيؤدي الى سقوط الحكومة السعودية. وبوسع الإيرانيين ايضا إحياء مشاعر الاستياء التي حركت انتفاضة البحرين.

وقال دبلوماسي غربي في بيروت طلب عدم نشر اسمه “أعتقد أن الإيرانيين يظنون أن بوسعهم تحقيق انتصار في البحرين وهو ما سيكون خطا أحمر بالنسبة للسعوديين.” وأضاف “جزء رئيسي من الخطاب الإيراني هو أن البحرين دولة ذات أغلبية شيعية تعاني من القمع ولا يسمح فيها بالديمقراطية.” وصدرت معظم التصريحات الإيرانية القوية عن جماعات متشددة مثل الحرس الثوري التي انتقد بعضها ايضا الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى العالمية العام الماضي بهدف رفع المزيد من العقوبات المفروضة على البلاد.

ولن يسعد الرئيس الإيراني البراجماتي حسن روحاني بمزيد من العزلة الدبلوماسية بعد أن سعى بمباركة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الى عقد الاتفاق لتوسيع نطاق العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي. وتمكن روحاني من تطبيع العلاقات مع الغرب نوعا ما من خلال الاتفاق النووي واستهل العام الجديد بتغريدة على موقع تويتر تنم عن تفاؤل عبر فيها عن أمله في أن تتمكن الدول في 2016 من “البحث عن أسباب لتحقيق السلام وليس ذرائع للعداء.”

والآن وبينما يواجه أكبر أزمة دبلوماسية في عهده ربما لا يتمكن روحاني من إقناع الحرس الثوري بخفض أنشطته العسكرية لصالح الدبلوماسية. ويمكن أن يدفع هذا الحرس الى دعوة حلفائه داخل السعودية لشن هجمات عنيفة. وقال علي الفونه كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والخبير في شؤون الحرس الثوري “اذا أراد الحرس الثوري استخدام الإرهاب على الأراضي السعودية للانتقام من آل سعود فإن من المرجح أن يجد الحرس سهولة في العثور على مجندين بين الشيعة في السعودية.” ويرى خبراء أن من غير المرجح أن يفعل الحرس الكثير للإضرار بالمصالح السعودية في سوريا أو العراق. لكن التصريحات القوية المناهضة للسعودية والصادرة من إيران قد تدفع بعض الفصائل التي دربتها وسلحتها طهران على التحرك بمفردها. بحسب رويترز.

ويقول خبراء إن بوسع السعوديين من جانبهم أن يزيدوا دعمهم المالي والعسكري للجماعات السنية المسلحة في العراق وسوريا ولبنان للتصدي للتهديد الإيراني. لكن الخبراء يرون أنه سيكون من الصعب أن ينتصر السعوديون في مواجهة سياسية ودبلوماسية مع إيران. وقال خشان من الجامعة الأمريكية في بيروت “مسألة أن السعوديين قرروا قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران تعني أنهم يعتقدون أنهم مستعدون لمواجهة شاملة مع إيران.” وأضاف ليس هناك ما يمكن أن يفعله السعوديون لزعزعة استقرار إيران بينما لدى الإيرانيين على الجانب الآخر كل السبل الممكنة لزعزعة استقرار السعودية وغيرها من دول الخليج خاصة البحرين.”

قصف متعمد

على صعيد متصل حملت إيران الطيران السعودي مسؤولية قصف سفارتها في اليمن “عمدا”، ما أسفر عن سقوط إصابات في صفوف موظفيها، من جانب آخر قررت طهران منع دخول كل المنتجات السعودية إلى أراضيها. وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية حسن جابر أنصاري كما نقل عنه التلفزيون الإيراني “هذا العمل المتعمد من قبل السعودية يشكل انتهاكا لكل الاتفاقيات الدولية حول حماية البعثات الدبلوماسية (…) والحكومة السعودية مسؤولة عن الأضرار التي سببها ووضع الموظفين الذين أصيبوا بجروح”.

وقال أنصاري مضيفا إن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحتفظ بحق الدفاع عن حقوقها في هذه القضية”. من جهة أخرى أعلنت إيران منع دخول كل المنتجات السعودية أو المستوردة منها كما أفاد موقع الحكومة الإلكتروني ، مضيفا أن “مجلس الوزراء منع دخول كل المنتجات السعودية أو المستوردة من السعودية” مشيرا إلى الإبقاء على منع أداء مناسك العمرة في مكة “حتى إشعار آخر”.

من جانبه اكد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في طهران ضرورة ان تكف السعودية عن العمل ضد ايران كما تفعل “منذ سنتين ونصف”. وقال ظريف في مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي ابراهيم الجعفري “منذ سنتين ونصف تعرقل السعودية جهود الدبلوماسية الايرانية” و”ينبغي عليها وقف هذه النزعة لاثارة التوترات”. وشدد بشكل خاص على ان السعودية “عارضت الاتفاق النووي” المبرم في تموز/يوليو بين ايران والقوى العظمى، متبعة بذلك “النظام الصهيوني” في اسرائيل.

الى جانب ذلك قالت السعودية إنها ستعيد العلاقات الدبلوماسية مع إيران عندما تتوقف طهران عن التدخل في شؤون الدول الأخرى وتعهدت بأن الرياض ستواصل العمل “بأقصى الجهد” لدعم مساعي السلام في سوريا واليمن على الرغم من نزاعها مع طهران. وسأل الصحفيون السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي عن الأشياء التي يمكن أن تجعل المملكة تعيد العلاقات مع إيران فأجاب قائلا “شيء بسيط جدا. أن تتوقف إيران وتكف عن التدخل في الشوؤن الداخلية لدول أخرى بما في ذلك شؤون بلدنا.” بحسب رويترز.

وأضاف قائلا “إذا فعلوا هذا فاننا بالطبع سيكون لدينا علاقات عادية مع إيران… نحن لم نولد أعداء بالفطرة لإيران.” وقال المعلمي إن قرار السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران لن يؤثر على مساعي المملكة لإحلال السلام في سوريا واليمن. وأبلغ المعلمي الصحفيين “من جانبنا فإنه لن يكون له تأثير لأننا سنواصل العمل بأقصى الجهد لدعم مساعي السلام في سوريا واليمن… سنحضر محادثات سوريا القادمة ولن نقاطعها بسبب إيران.” لكنه استدرك قائلا “الإيرانيون حتى قبل قطع العلاقات الدبلوماسية لم يكونوا داعمين بشكل فعال ولم يكونوا إيجابيين جدا في مساعي السلام هذه.

الرابح الأكبر

في السياق ذاته دخلت الحرب ضد تنظيم “داعش” مرحلة حرجة جراء الأزمة الدبلوماسية الشديدة بين السعودية وإيران، والتي يخشى بعض المراقبون أن ترمي بظلالها على محادثات السلام حول الأزمتين السورية واليمنية. وتشهد منطقة الشرق الأوسط من جديد تصعيدا مقلقا بين السعودية السنية وإيران الشيعية، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على خلفية إعدام الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر. وأثارت شدة الأزمة الدبلوماسية بين المملكة والجمهورية الإسلامية، والتي دخلت فيها بعض الدول المجاورة بينها البحرين والكويت والإمارات والسودان، مخاوف من انعكاسها سلبا على الحرب ضد تنظيم “داعش”.

ويخشى البعض أيضا أن تؤثر هذه الأزمة المتجددة في محادثات السلام بشأن الملفين السوري واليمني، خاصة أن المفاوضات بدأت تعطي نتائج ملموسة على الأرض. وهناك خشية من أن يعزز الجهاديون نفوذهم ليخرجوا كالرابح الأكبر، من صراع يريدونه أن يكون تحت غطاء حرب بين السنة والشيعة. وهذه ثاني أزمة تنشب بين أطراف النزاع المتنوع الجذور في الشرق الوسط، بعد التصعيد بين أنقرة وموسكو عقب إسقاط الطيران التركي طائرة حربية روسية قالت أنقرة إنها اخترقت الفضاء الجوي التركي.

وقالت المتخصصة في الشؤون الإيرانية في جامعة باريس أزاديه كيان في تصريح لصحيفة “لوباريزيان” إن “داعش ستعزز موقعها في حال تعذر التعاون بين السعودية وإيران”، مشيرة إلى أن الأمريكيين والأوروبيين بحاجة إلى تدخل سريع من أجل تهدئة الأمور. لكن مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس) في باريس، باسكال بونيفاس، يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية وبحكم عدائها لإيران غير مؤهلة كي تلعب دور الوسيط بين الرياض وطهران. بحسب فرانس برس.

وقال بونيفاس في شريط فيديو نشره على موقع “إيريس”، “لإيجاد حل للأزمة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، من الضروري أن يتدخل وسيط آخر غير الولايات المتحدة”. وقد عرضت موسكو التوسط بين إيران والسعودية، بحيث صرح مصدر دبلوماسي روسي رفض الكشف عن هويته إن بلاده “مستعدة لاستضافة محادثات بين وزيري خارجية البلدين، محمد جواد ظريف وعادل الجبير.

تحرك أممي

من جانب اخر تواصل الأمم المتحدة من مساعيها لتدارك تداعيات الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وإيران على جهود السلام في سوريا واليمن. وغادر وسيط الأمم المتحدة لسوريا ستافان دي ميستورا إلى الرياض لإجراء محادثات ثم سيتوجه إلى طهران للحصول على ضمانات بأن التقدم الذي تحقق في جهود إحلال السلام في سوريا، ليس في خطر.

ويراهن وسيط الأمم المتحدة على الحصول على دعم كبير لإطلاق محادثات سلام بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة في جنيف في 25 كانون الثاني/يناير، وهو الإنجاز الذي تحقق بعد ثلاثة أشهر من الجهود المكثفة التي شملت كل أطراف النزاع السوري. واتصل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هاتفيا بوزيري خارجية السعودية وإيران لحثهما على “تجنب أي عمل قد يؤجج التوتر بين البلدين وفي المنطقة” كما أعلن المتحدث باسمه ستيفان دوجاريتش. وأضاف دوجاريتش أن “الأزمة في العلاقات بين الرياض وطهران قد تترك تداعيات خطيرة على المنطقة”.

وتلعب كل من السعودية وإيران دورا بارزا في الجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع المستمر في سوريا منذ قرابة خمس سنوات، وإيجاد تسوية سياسية في اليمن. وإيران مع روسيا حليفة نظام الرئيس السوري بشار الأسد في حين أن السعودية تدعم المعارضة المسلحة السورية وتطالب برحيل الأسد. وفي بادرة تهدئة، عبرت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة عن الأسف لهذا الهجوم ووجهت رسالة إلى بان كي مون تعهدت فيها بأن “إيران ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لمنع تكرار حوادث مماثلة في المستقبل”. وطلب بان كي مون أيضا “من السعودية تجديد التزامها بوقف إطلاق النار” في اليمن. وكانت الرياض، أعلنت السبت انتهاء الهدنة.

كما اعلنت وزارة الخارجية الروسية ان موسكو “مستعدة لدعم” حوار بين الرياض وطهران معربة عن “قلقها الشديد” حيال الازمة التي اندلعت بين البلدين. واضافت الوزارة “نطلب بالحاح من طهران والرياض والدول الخليجية الاخرى ضبط النفس” داعية البلدين الى سلوك “طريق الحوار”. واكدت ان “روسيا مستعدة لدعم هذه الجهود”، موضحة ان “موسكو تشعر بقلق عميق ازاء تصعيد الوضع في الشرق الأوسط، والناجم عن القوى الاقليمية الكبرى، السعودية وايران”. وقبل ذلك بوقت قصير، صرح مسؤول ان “روسيا مستعدة للقيام بوساطة بين الرياض وطهران” بدون تفاصيل اضافية. بحسب فرانس برس.

لكن مصدرا دبلوماسيا روسيا قال، بحسب ما نقلت وكالة تاس، ان موسكو مستعدة لاستضافة محادثات بين وزيري خارجية ايران محمد جواد ظريف والسعودية عادل الجبير. وقال المصدر رافضا الكشف عن اسمه “اذا ابدى شركاؤنا، السعودية وايران، استعدادهم ورغبتهم، فان مبادرتنا تبقى مطروحة على الطاولة”. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استقبل كلا من ظريف والجبير على حدة السنة الماضية في محادثات حول سوريا فيما تدفع موسكو في اتجاه تشكيل ائتلاف واسع لمحاربة جهاديي تنظيم داعش.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here