الموصل قاب قوسين أو أدنى

0
1401

علي الطالقاني

كاتب صحفي وباحث في شؤون الإرهاب

 

ينتظر العالم اليوم الذي وعد فيه المجتمع الدولي خياره الوحيد المتمثل بتدمير تنظيم داعش، حيث يترقب الجميع الى ما ستؤول اليه الأوضاع في محاربة التنظيم الذي يحتل اجزاء واسعة من سوريا والعراق.

ما يهمنا هنا العراق فان ما يجري الآن من عمليات قتالية تخوضها القوات العراقية المدعومة من قوات الحشد الشعبي والتي مشغولة الان بشكل كامل في القتال منذ أسبوعين في عملية واسعة لاستعادة مدينة تكريت من يد تنظيم داعش ، حيث من المفترض ان تنجز ذلك سريعاً في حربها التي تعتمد فيها على استنزاف التنظيم والتموضع وتقليل الخسائر المادية والمعنوية. إذ تسعى إلى إنهاك مجاميع تنظيم داعش واستعادة مراكز المدن والمطارات والاتصالات وباقي المواقع المهمة. وهذه الخطوات مهمة جدا من أجل التوجه فيما بعد نحو استعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش.

حيث من المفترض أن تهاجم القوات العراقية بمساندة قوات الحشد الشعبي بجيش قوامه أكثر من عشرين الف جندي لمواجهة تنظيم داعش الذي يبلغ عدده نحو 6000 مقاتل، لتحرير مدينة الموصل، لكن هناك عدة أسباب تقف حائلا دون ذلك، من أهم هذه الأسباب:

– العامل الدولي حيث يتميز بتأثيره الكبير فان الامريكيين يسعون الى تعزيز مكانتهم في العراق بشكل أكبر في وجه التحدي الايراني الذي يتصدر الموقف من خلال دعم إيران للعراق في معركته ضد داعش في وقت يقف الامريكيون موقف المتفرج على الاحداث. فضلا عن دول الخليج وتركيا حيث يسعى كل طرف بأن يجد مساحة لنفوذه.

– خلاف واشنطن مع بغداد حول موعد انطلاق العملية، فقد كشف مسؤول أمريكي رفيع المستوى في القيادة المركزية الأمريكية عن انطلاق عملية تحرير الموصل التي قال انها ستبدأ في شهر نيسان/أبريل من من عام 2015. وهو الأمر الذي خلق أزمة بين الولايات المتحدة والعراق بشأن الجدول الزمني، وسط اتهامات عراقية لواشنطن بكون الأخيرة ليست ملمّة بما يجري ولا بالتوقيتات المناسبة للهجوم.
– الاستعداد اللوجستي للقوات العراقية وتحرير المناطق المحاذية لمدينة الموصل.
– الجدل المحتدم بين مختلف الجهات المحلية والدولية حول هوية الجهات التي ستساهم في المواجهة حيث تدور خلافات كبيرة حول ذلك والتي من المحتمل ان تواجه الحكومة العراقية اختبار صعب، كذلك السؤال يطرح نفسه حول دور قوات البيشمركة وقوات الحشد الشعبي في عملية تحرير الموصل؟ وما هو دور التحالف الدولي في ذلك؟ وماذا ستؤول اليه الاوضاع بعد مرحلة الهجوم؟ وما هي الخيارات المطروحة في حال عدم انهاء المعركة أو إطالتها؟

– الخلافات السياسية التي تعصف بالبلد حيث يدور جدل كبير حول هوية المدينة ودور العرب السنة في تحريرها وإدارتها فيما بعد.
ولو عدنا الى الاعوام التي تلت سقوط النظام في العراق عام 2003 وما شهدته من اعمال ارهابية كان من الأجدر ان يتفق الجميع على حلٍّ لكل المشاكل الموجودة ومنذ اليوم الأول تم حل الجيش العراقي عام 2003 الذي كان العامل الكبير والمساهم في تدهور المؤسسة العسكرية العراقية، لأنه أدى الى انهائها بالكامل. ممّا وفّر للأجندات الخارجية وللتنظيمات الارهابية أجواء تنمو من خلالها.
ولاحظنا كيف استطاع تنظيم القاعدة في العراق ان يتحرك بشكل واسع حتى بات ينفذ عملياته الإرهابية بمعدل (سبعين هجوما) خلال الشهر الواحد منذ عام 2005 وحتى عام 2009، وقام بالسيطرة على مساحات كبيرة مثل الانبار والموصل والفلوجة ومدن أخرى قريبة على العاصمة بغداد وبات التنسيق بين المجاميع الارهابية لدرجة أنه يقوم بعمليات في وضح النهار. وتسارعت وتيرته بالزحف وامتلاك زمام المبادرة في الهجومات واصبح التنظيم ينتشر في مدن العراق، إلا أن إعادة ترتيب وحدات من الجيش والشرطة وجماعات شيعية مسلحة أوقف تقدم التنظيم.

وبعدها حاولت واشنطن انشاء جيش عراقي لكن هذه المهمة لم تكتمل ولم تخلُ من تحديات. وفي غضون ذلك ومنذ أن بدأ الانسحاب الامريكي من العراق تدهورت الشراكة بين القوات العراقية والأمريكية، وتخلى الطرفان عن التزاماتهما بالشكل المطلوب.

حتى أصبحت فيما بعد مدينة الموصل مرتكزا لتنظيم القاعدة الذي وسع من عملياته الارهابية متخذا من هذه المدينة منطلقا لعملياته، وعانى فيها الجيش العراقي والقوات الامريكية من صعوبة السيطرة عليها رغم عدد القطعات العسكرية بجيش قوامه أكثر من 15 ألف جندي. فان تلك الجهود لم تستطيع تأمين المدينة بشكل كامل.
ومن أجل تلافي الأمر تم عقد اتفاقية أمنية منقوصة بين واشنطن وبغداد تقوم على دعم الحكومة العراقية في هذا الجانب. لكن الجانب الامريكي لم يلتزم فيما بعد تجاه العراق وتعامل هامشيا مع موضوع المساعدات العسكرية ودعم العملية السياسية بالشكل المطلوب والذي ينسجم مع حقوق الأغلبية في العراق، وكذلك بما يتعلق بدعم قوى الجيش والشرطة والدعم اللوجستي والمعلوماتي.
وطوال الاعوام الماضية التي سبقت سقوط الموصل بيد تنظيم داعش لم تستعين القيادة المركزية الأمريكية بالأجهزة الأمنية العراقية إلا مرات قليلة. حيث من المتعارف ان القوات العراقية تقع عليها المسؤولية الكبيرة في ذلك وهي من يمتلك المعلومة الصحيحة خصوصا بعد انسحاب الجيش الأمريكي من العراق وفي حال غياب الدعم لها او عدم الاستعانة بها تترك الأراضي العراقية مفتوحة أمام المجاميع الارهابية. وفيما بعد تعقد المشهد بشكل أكبر عندما انتهكت السيادة العراقية من قبل دول معينة عبر دعمها لمجاميع ارهابية متشددة تشن هجمات على مؤسسات الدولة والأسواق وأماكن أخرى مما شتت جهود القوى الأمنية ومنعها من دعم وبناء المؤسسة العسكرية الفتية.

وللأسف الشديد أن نظام الحكم في العراق من جهته لم يعر أهمية كافية لدرجة أصبحت الولاءات الحزبية والمحاصصة والطائفية سمة بارزة في المشهد السياسي العراقي لدرجة أن الهدف من أجل تغيير نظام صدام حسين وارساء الديمقراطية لم يتحقق بالشكل المطلوب.

مفرق الطرق

علاوة على ذلك استطاع تنظيم داعش فيما بعد من السيطرة على اراضي واسعة من العراق مما جعل البلد أمام حل وحيد وهو الاستعانة بالفصائل المسلحة الشيعية من اجل دعم الجيش العراقي واستعادة المناطق الرئيسية التي سيطر عليها تنظيم داعش .

ومع التحديات الجسمية التي تمر بها المؤسسة العسكرية العراقية باتت الأمور تسير في اتجاهين:

الأمر الأول: نحو تشكيل جيش عراقي موحد من أجل القضاء على داعش ومواجهة التحديات المستقبلية.

الأمر الثاني: نحو انشاء جيوش مبنية على اساس طائفي وقومي، بحيث يكون للشيعة جيش في الوسط والجنوب وللسنة جيش في غرب العراق والأكراد سيكون لهم جيش في الشمال في وقت تتزايد فيه المخاوف من هذه التقسيمات التي قد تؤدي بالبلد نجو حروب داخلية.

فان حالة الضعف هذه لها أسباب عديدة منها الفراغ الحاصل في السلطة كما حدث خلال الفترة الزمنية التي قادها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، السبب الآخر عدم دعم المؤسسة العسكرية من قبل القادة السياسيين ومن قبل العشائر العراقية وبقية السكان وهو نفس السبب الذي مكن الجماعات الارهابية من السيطرة على المدن المذكورة.

ان إعادة تشكيل القوات العراقية تعتمد على المساعي من قبل الجميع وكما هو مبين حيث يجب توسيع حملة دعم المؤسسة العسكرية. فكلما طالت المدة في تشكيل جيش عراقي منظم زاد انقلاب الأوضاع الأمنية وقلة ثقة المواطنين بالجيش، وهذا أمر قد ثبت بعد سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الاسلامية المزعوم حيث تم تشكيل مجاميع مسلحة مدعومة من دول مختلفة لمواجهة خطر التنظيم.
دراسة العواقب

لذا قبل انطلاق عملية تحرير الموصل ينبغي التفكير بجد لأن هذه المدينة تختلف خصوصيتها عن باقي المحافظات، فهي مركز محافظة نينوى، (405 كم شمال العاصمة بغداد)، ومن كبريات المدن في العراق حيث يبلغ عدد سكانها نحو مليون شخص وتبلغ مساحة مركزها نصف مساحة العاصمة بغداد وتضم طيفا مختلف الالوان من الأديان والاعراق من التركمان والاشوريون والأكراد اضافة الى المكون السني والاقلية الشيعية هناك.

ونظراً إلى هذه العوامل، هناك تخوف كبير من ان تطال الحرب المدنيين هذه المدينة الكبيرة حيث يعمل تنظيم داعش على فرض قيود على المدنيين من اجل عدم مغادرتهم المدينة، وهذا يعني ان تحرير الموصل يطرح تحديات كبيرة امام الحكومة العراقية والقوات الأمنية، وبالتالي فإن استعادة هذه المدينة تتطلب دراسة حثيثة في الكيفية التي تتم فيها بأقل الضحايا والتكاليف وبالسرعة الممكنة.
وبرغم اختلاف وجهات النظر حول دور المجاميع المسلحة التي تقاتل تنظيم داعش من الواضح أن الحكومة العراقية ستواجه صعوبات في انطلاق عملية تحرير الموصل حيث يقول بعض السياسيين السنة ان المجاميع المسلحة الشيعية الحشد الشعبي غير مرحب بهم في الموصل وهو مايعكس رؤية تحشيدية من قبل هؤلاء السياسيين تجاه السياسة المتبعة في مواجهة الارهاب.

لذا، يتطلب من الجميع الآن الانتباه إلى العواقب الخطيرة التي قد تترتب عن تطور الحرب على الارهاب وتأخير حسمها. وهذه المخاطر تتجه الان وتمتد نحو الأردن ومصر وحتى اسرائيل. ويتطلب خصوصا من واشنطن وايران ابعاد العراق عن صراع المصالح، حيث يقول خبراء إن الاستراتيجية الأمريكية في العراق تعتمد على إيران في الوقت الذي يخضع فيه الرئيس باراك أوباما لضغوط سياسية من الجمهوريين بشأن المفاوضات النووية مع إيران . ووضع خطة مستقبلية لوقف المحور الخليجي والتركي عن دائرة الأحداث في العراق قبل ان تمتد نار العنف الى بلدان أخرى.

وهناك أمل كبير قبل انطلاق عملية تحرير الموصل يتمثل في رفض لوجود داعش من قبل مجاميع قتالية متسترة في الموصل، فضلا عن ان بعض العشائر قد تغلق أبوابها في وجه التنظيم كذلك يمكن ان يشن التحالف الدولي ضربات جوية مدعومة بالسيطرة على نظام الاتصالات وتأمينها بين المواطنين والقوات الأمنية، واتخاذ معسكرات الجيش مقرا للقوات الأمنية لها، فان معسكر الغزلاني ومطار الموصل موقعان مهمان لانطلاق العمليات ضد تنظيم داعش، كذلك يمكن تجنيد المقاتلين الراغبين في الخدمة العسكرية حيث يقدر عدد المواطنين المؤهلين للخدمة العسكرية في الموصل نحو مائة الف مقاتل من الشباب.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here