تشكيل الحكومة، بين الاهم والمهم

0
1483

د. عادل عبد المهدي

هناك اعتقاد سائد ان المشكلة هي في الخبرة واستقلالية المرشحين. وهذا صحيح جزئياً. فقد تولى كثير من الوزارات مستقلون وتكنوقراط.. فلم يعملوا اكثر من زملائهم السياسيين.. فهناك بجانب الرجال، حقيقة اعظم تتطلب المعالجة، وهي طبيعة الدولة، وواقع الساحات السياسية.. والا ستسهلك الدولة الرجال، او يستهلكونها، ويعيدون انتاجها المتهافت.

تأخرت عملية الانتقال، ووقعنا في معادلة سيئة.. فالدولة الاحتكارية الريعية اقتصادياً، تستتبع بالضرورة نظاماً سياسياً دكتاتورياً،بقدراته التنفيذية وشمولية دماره، والعكس صحيح.. والاقتصاد الاهلي القوي، ودولة الجبايات يستتبع بالضرورة نظاماً سياسياً ديمقراطياً مؤسساتياً، والعكس صحيح.. اما بقاء الدولة الاحتكارية الريعية، مع انتخابات وحريات واحزاب، فنتيجتها الفوضى والمحاصصة وهدر الاموال “السهلة” والفساد والانحباس.

بقاء معادلة الدولة، واستحواذها على الاصول والمصالح والارزاق والطموحات، وخنق مساحات الاقتصاد والنشاطات الاهلية..وعدم قلب المعادلة ليرتقي المجتمع باصوله وحقوقه ومصالحه ومنافعه ومبادراته، ليصبح وزنه الاكبر والاساس،معناه التكالب،المشروع واللامشروع، على الدولة، سواء عبر حزب واحد، او احزاب. هنا اس المشكلة.. وهذه تتطلب ارادة رجال دولة، ورأي عام.. وهو ما تحجزهما لدرجة كبيرة، طبيعة القوى السياسية.. التي لم تبدأ معظمها بالاصلاحات المطلوبة، للانتقال من عقل وممارسات المعارضة، الى عقل الدولة والحياة الدستورية ومبانيهما.
في المعارضة تتقدم المركزية وبطولات القادة وحديدية التنظيم على المؤسساتية والديمقراطية.. اما عندما يتحول المحكومون لحاكمين.. في بلد ونظام تحتكر الدولة كل مقدراته، فان الحزبوية والمحسوبية والفئوية تصبح المعبر الوحيد للوصول لمواقع الدولة، اي المواقع شبه الوحيدة لتلبية الطموحات، فلا شيء اخر خارجها تقريباً.

قد يأتي وزيرمخلص ومهني.. فتطوقه”مافيات” الوزارة،وطلبات محازبيه الذين دعموه،ليدعم تعييناتهم وعقودهم ومصالحهم.. والذين كغيرهم لا حقوق لهم خارج ما تمنحه الدولة. من هنا تتراجع اهمية الاسماء، امام اهمية البناءات، وتوفير عزم وخطط جدية، ما زال ضعيفاً، لمأسسة الدولة وترشيدها والحرص على دستورية قوانينها ونظم خدمتها.. لتتغير الحكومات بمعدل السنوات.. وتتغير الدولة بمعدل العقود.. لا يتغير موظفوها مع هوية الوزير القادم. وهذه مبان لن تتحقق ما لم تجد الاحزاب مستقراتها وعوامل قوتها في المجتمع المزدهر المتنامي، وليس في الدولة الريعية.. وما لم تؤسس الاحزاب لعقل الدولة ولتقاليد عمل ديمقراطية مؤسساتية، قادرة على انتاج الرجال والنساء الحزبيين او المستقلين، من السياسيين والتكنوقراط، لا فرق.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here