اليمين واليسار

0
1345

حيدر الجراح
كل شيء يكاد يخضع لهذا التصنيف او التمييز، بدءا من الانسان، جسده وافكاره، مرورا بالحركات السياسية والاجتماعية والاحزاب والسياسات، كلها تخضع لادراجها ضمن مقولات اليمين او اليسار.
دائما ماصنف اليمين في خانة المحافظة والبرجوازية وطبقة التجار وأصحاب الأموال، ودائما ما صنف اليسار في خانة المعارضين والفقراء واصحاب الثورات والثوار، وحركات الاصلاح السياسية او الاجتماعية وحتى الدينية.
التاريخ الاسلامي ايضا كثيرا ما انبأنا بمثل هذا التصنيف، فهناك التاريخ الذي كتبه الخلفاء والحكام ورجالات السلطة والدولة، وهناك التاريخ الذي كتبه المهمشون وقادة الثورات والمستضعفون، وكل تاريخ من هذين التاريخين يحفلان بالصراعات لكن من وجهة نظر كل فريق في اسبابها واثارها وتداعياتها.
واليسار مصطلح يمثل تيارا فكريا وسياسيا يسعى لتغيير المجتمع إلى حالة أكثر مساواة بين أفراده. يرجع اصله إلى الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، ذلك التغيير المتمثل بالتحول إلى النظام الجمهوري والعلمانية. ولا يزال ترتيب الجلوس نفسه متبعا في البرلمان الفرنسي.
كان الشعب مقسما إلى 3 طبقات رئيسية ليست في فرنسا وحدها بل في معظم أوروبا:
(طبقة الملك ورجال الدين – طبقة النبلاء – طبقة العامة).
كان اليسار منذ الثورة الفرنسية ومرورا بالثورة الصناعية معارضا لتمركز القوة والثروة في طبقة معينة من طبقات المجتمع وكان اليسار يحاول القضاء على اللامساواة عن طريق تشجيع الديمقراطية وإصلاحات في مجال ملكية الأراضي وبدأ اليسار تدريجيا بتبني قضايا الطبقة العاملة في المصانع من ضمانات اجتماعية وإنشاء نقابات للعمال وتدريجيا تبنى اليسار مواقف مناهضة للإمبريالية ومؤخرا بدأ اليسار نشاطاته في معارضة العولمة.
الرمزيات التي تمثل اليمين او اليسار كثيرة ومتنوعة، تبدأ بالمصطلحات مرورا بلغة الخطاب وتنويعاته، ولاتنتهي عند الشعارات والالوان والاعلام والرايات، وهي بمجملها تشكل ثقافة راسخة في توجهات كل صنف من هذين الصنفين.
الجميع يستعمل الرمزيات، والتي اخذت بعدا اشهاريا واسعا نتيجة لتطور وسائل الاعلام والاتصال مرئية او مسموعة او رقمية.
كل اشارة رمزية تجد لها جذرا في الوعي الجمعي لثقافة امة او مجتمع في عالمنا المعاصر، وهي في الكثير منها تنزح الى التاريخ لاستلهام تلك الرمزيات واعادة بعثها واحيائها في الحاضر، مرورا باقامتها في المستقبل.
تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، والمعروف اختصارا بتسمية (داعش) يستخدم الكثير من الرمزيات في نشاطاته، بدءا من الراية وتسميات مقاتليه وكناهم، وليس انتهاءا بالالوان او تقسيماته للكفار والمرتدين وغير ذلك.
في عملية اعدام الصحفي الامريكي واصل هذا التنظيم استخدامه وتوجيهه للرسائل الرمزية لمن يعدهم خصوما له، ومن ذلك استخدامه للزي البرتقالي حين يقرر نشر مقاطع مرئية لرهائن غربيين، وتحديدا من الجنسية الأميركية أو القيام بقتلهم، الذي ظهر مرتديا اللون البرتقالي.
قبل «داعش»، استخدم تنظيم القاعدة الزي البرتقالي عام 2004م حين نشط في السعودية في الفترة من 2003 – 2006 وقضي عليه، وكان ظهور اللون البرتقالي في تلك الفترة حين بث التنظيم مقطعا مرئيا للمهندس الأميركي بول جونسون، الذي اختطفه أفراد ما يعرف بـ«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» وجزوا رأسه، وكان استخدام التنظيم للون البرتقالي كرد على زي السجناء في سجون غوانتانامو، والتي يرتدي فيها السجناء – غالبيتهم من تنظيم القاعدة والجماعات المقاتلة سابقا في أفغانستان – اللون البرتقالي، واللون الأبيض بعد انتهاء فترة التحقيقات الأولية.
رمزية اخرى من رمزيات هذا التنظيم والتي استخدمها عند قتله لاعداد كبيرة من السجناء في سجن بادوش في الموصل بلغوا ما يزيد عن 670 سجينا ، والتي وصفتها نافي بيلاي، رئيسة المفوضية العليا لحقوق الانسان مذبحة تنحدر لمستوى “جرائم ضد الإنسانية.
وهي رمزية يمكن قراءتها من خلال التاريخ الاسلامي، الذي يحفل بالكثير من الصراعات بين اليمين واليسار.
يقول هذا الناجي من المذبحة، واقتطف بعضا من كلامه:
“بعد مدة ليست بالطويلة، خرجنا من الحفرة، محتمين بالساتر الترابي، متجهين الى الشارع العام… كان لا بد لي من الوصول الى احدى سيطرات الجيش القريبة، سيطرة (بوابة الشام)… كان لا بد من السير بسرعة، حتى لا تداهمنا عتمة الليل… كنت اراقب الشمس وأتمنى ألاّ تغرب”، “بعد وقت قصير، وصلنا المكان المقصود. صرعني الموقف قريبا من السيطرة، وكاد يشل حركتي وتفكيري”.
إذ وجدوا “شخصا بلهجة خليجية، على الاغلب سعودي الجنسية يرتدي الزي الافغاني، شعره كثيف يتدلى من خلف عمامته، ولحية طويلة”.
ويتابع الناجي “صرت انظر خلسة الى زملائي… وبعد لحظة صمت لم تدم طويلا، بادرنا الملتحي بالسؤال: من وين انتم؟”.
تزايدت الاسئلة “بعد ان عرفناه بأنفسنا، واننا هاربون من جحيم بادوش”.
بدأ هذا الشخص “يفرزنا حسب المذهب: (سني على اليمين) و(شيعي على اليسار)”.
ويقول “والدتي من اهالي الموصل، وأجيد اللهجة الموصلية؛ فوقفت على اليمين”.
مضى الوقت سريعا، “وإذا بالسيارات المحملة بالنزلاء تقترب لتصل الى حيث نقف”.
يتابع “أحسست بالهواء وقد انحبس عني. ضاق صدري حين توقفت السيارات وترجل من فيها، ليبدأ الفرز نفسه، ومن ثم التحقق من مصداقية ما نقول وندعي”.
“جاء الدور لي، استجمعت قواي لأخرج من التوتر الذي انا فيه، وأخبرتهم بأني من الأعظمية، محكوم بالمادة 4 ارهاب”.
ويقول “كنت اتحدث معهم باللهجة الموصلية، وهم يتحدثون بلهجات مختلفة، بالفصحى أحيانا”.
انتهت عملية الفرز المذهبي، والتحقق.
بحركة سريعة، كان مصير جميع النزلاء على اليسار (الشيعة) الموت، بعدما اختلطت اصوات الرصاص بصيحاتهم لبرهة.
اطلق سراح الموجودين في صف اليمين. و”اجبرونا على المشي على الجثث قبل ان يحرقوها”.
كيف يمكن قراءة هذا التصنيف والذي شكله التاريخ في وعي المنتمين الى داعش؟.
في كتابه (اليمين واليسار في الاسلام) يقول المؤلف احمد عباس صالح ان اذاعة صوت العرب بالقاهرة كلفته بكتابة برنامج تمثيلي عن الصحابي الجليل (ابو ذر الغفاري) وانه لم يكن يعرف عنه الا انه كان صحابي يحض المسلمين على عدم كنز المال .
يكتشف المؤلف ان التاريخ الاسلامي انما كتب في عهد الدولة الاموية والعهود التي تلتها وان المحاولات التي بذلت لدفع التيار الذي يقوده اليسار الى الانحراف عن الاسلام كانت من المهارة التي نفّرت المسلمين منه وهذه من النقاط التي اصبحت لها قدسية مطلقه لا يسمح لاحد بالخوض فيها ، لان الخوض فيها يعني ادانة انظمة لم تاخذ من الاسلام الا العبادات ولاتنظر الى العدالة الاجتماعية التي تتعارض مع مصالحها الخاصة. ان البسطاء من المسلمين صدقوا تلك الافتراءات والاكاذيب وان المؤرخين في العهد الاموي والعباسي نسبوها الى الشيعة حتى اصبحت هذه الاكاذيب والافتراءات مصدقة عند هؤلاء البسطاء ..
ويذكر المؤلف في كتابه ان اختيار ابو بكر لعمر ابن الخطاب بسبب انه كان يرى في اليسار تطرفا لا يحتمله التجار والكبار من الذين كان لابي بكر فضل دخولهم في الاسلام.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here