مطلوب محلل سياسي للايجار!

0
1787

مهند حبيب السماوي
احدى الأوجه المهمة للحرب الشرسة التي تخوضها، ومنذ عقد من الزمان، الجهات الاقليمية ضد العراق هو الاستعانة بالادوات الاعلامية المتضمنة لطرائق ووسائل مختلفة تتجسد احدى مظاهرها في الاستعانة واللجوء لمحللين وسياسيين عراقيين او من بلاد اخرى” عربية او غربية ” لشرح وتوضيح المواقف السياسية التي تضج بها المنطقة في المرحلة الحالية وفي هذا الوقت العصيب من حياة شعوبها ومسار بناء دولها.
وللتحليل السياسي، من حيث هو فن أو علم، مهارات متنوعة تعتمد على كاريزما المحلل نفسه الذي تتطلب منه هذه الوظيفة، ان صح هذا التعبير، أن تتوفر فيه جملة من الشروط الموضوعية لعل أهمها أن تكون لديه معرفة كافية بالنظرية والفكر والنظم السياسية فضلاً عن مفهوم القانون والعلاقات الدولية، كما يجب ان لايغيب عن بال المحلل السياسي التاريخ الخاص بالبلد والمنطقة التي يتحدث عنها والظروف المحيطة بها، فضلاً عن معرفة لا بأس بها بقواعد اللغة التي تمكن صاحبها من صياغة عبارات صحيحة بدون أخطاء لغوية فادحة مع الاخذ بنظر الاعتبار امتلاك المحلل قدرة بارعة في تشريح الاخبار وتحليلها وأقناع الأخر باسلوب سهل وممتع يوفر للمشاهد والمتلقي معلومات توضح له المشهد وتكشف عن بعض مخبآته وتجلي بعض مواقفه.
وبعد عام 2003 ازدهرت مهنة المحلل السياسي في الفضاء الاعلامي العراقي، حيث لم يكن هذا المصطلح، بالمعنى الحرفي المستقل، متداولا او موجوداً اصلا قبل عام 2003، والتي تلتها ظهور قنوات فضائية عراقية متعددة ساهمت في ظهور مصطلح المحلل السياسي وسوّقته الى مسامع المشاهدين العراقيين بشروط معينة يقتضيها التحليل نفسه.
هذه الشروط المنطقية والموضوعية لاتتوفر، لكل أسف، عند العديد ممن نرى وجوههم في القنوات الفضائية، حيث على الرغم من وجود بعض المحللين السياسيين المستقلين البارعين الا انه هؤلاء أقلية ويتعرضون لضغوطات مالية حادة من قبل القنوات الفضائية التي تلوح لهم بالمال والوظيفة نظير الخدمات” الرمزية” الفكرية التي يقدمونها.
فالأعم الاغلب من المحللين السياسيين الذي مللنا وجودهم في القنوات الفضائية لا نجدهم يمتلكون مقومات المحلل السياسي الموضوعي المحترف، حتى وان امتلك قدرا لابأس به من الثقافة السياسية، بل يظهر هذا المحلل في القناة الفضائية نتيجة عدة اسباب لاتتعلق بإمكانيته ومعلوماته وقدرته على التحليل والاستشراف وما تم ذكره اعلاه من سمات يجب ان يتحلى ببعضها المحلل السياسي…بل ان هؤلاء المحللين يظهرون في القناة نتيجة وجود عوامل أخرى يمكن اختصارها في ان هذا المحلل يطرح افكارا ويستنتج اراء هي عين ماتسوّق لها القناة في رسالتها الاعلامية مقابل ماتغدقه القناة عليه من اموال نتيجة الفترة الي يقضيها ” live” في برامجها ونشراتها الاخبارية.
ولذا يُمسي المحلل السياسي اداة، لن ابالغ اذا وصفتها بانها ” رخيصة “، تستثمرها القناة وتستخدمها باسلوب انتهازي لخدمة اغراضها السياسية مستفيدة من حاجة هذا المحلل السياسي للمال التي تمنحه له نظير رايه السياسي المعبر في حقيقته عن راي القناة لدرجة يعلم معها المشاهد في بدء حديثه في النشرة بكل ماسوف يقوله ومايمكن ان يطرحه هذا المحلل المتسق مع التوجه العام للقناة على حساب وطنه وشعبه وسمعة بلده.
ونتيجة لعامل المال الذي يتحكم بالمحلل ويجعله اسير لدى القناة ترى بكل سهولة كيف يتحكم المقدم في تلك القناة بتوجهات المحلل وكيف يقوم بتسييره نحو الوجهة التي يريدها بل ان المحلل السياسي الذي يتحدث في القناة لا يقول فقط ما تؤمن به القناة وتحاول تسويقه بل فوق ذلك يسكت على بعض تجاوزات مقدم او مقدمة النشرة ولايعترض على اي فكرة او رأي او حتى سؤال يمكن ان تطرحه عليه خوفا من عدم استضافته له في المرة القادمة وبذلك يخسر الأجر المادي الذي يتقاضاه من القناة.
مثال بسيط اختم بهم هذه المقالة…. ففي أحد لقاءات قناة العربية الحدث مع احد هؤلاء المحللين السياسيين حول الاوضاع الراهنة في العراق، يشير مقدم النشرة الاخبارية للمحلل العراقي بعبارة ” ماتسمى بالمقدسات” في سياق حديثه عن المزارات والمراقد الشيعية التي يكن لها الشيعة بل والكثير من السنة اسمى آيات الاحترام والتقدير…. ولم نجد للمحلل اي اعتراض او ردة فعل حول هذه العبارة حيث كان من الممكن للمحلل ان يقول لمقدم البرنامج ان هذه الاضرحة لها فعلا قدسية عند الكثير من سكان العراق مهما اختلفنا معهم حول هذه الاعتقادات، ولكن فضّل هذه المحلل السكوت عنها والتغاضي من اجل مبتغاه المادي المعروف سلفا !!!.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here