سلاح المعنويات لمواجهة الإرهاب التكفيري

0
1298

محمد علي جواد تقي
في كل جيوش العالم، تُعد “المعنويات” الأساس الذي ينطلق منه الجندي لمواجهة العدو، والقتال ببسالة وتفاني وحتى التضحية بالنفس. وهذا ملاحظٌ في الدول التي تعتمد التكنولوجيا المتقدمة في ماكنتها العسكرية، مثل الولايات المتحدة وروسيا وسائر الدول الاوربية المالكة لجيوش منظمة ومدججة بأحدث الاسلحة والمعدات المتطورة. فبأي هدف وغاية يطلق الرصاص أو تحلق الطائرة الحربية وتقصف او تتحرك وحدات المشاة وتسيطر على الارض..؟، لهذه الاسئلة أجوبة سريعة في اذهان الجندي الامريكي او البريطاني وغيره. فهنالك الامن القومي للبلد، وسلامة الحدود، والحفاظ على القيم والمبادئ، بل وحتى نشر هذه القيم الى العالم، كما يروّج لذلك الأميركيون.. وهذا تحديداً يجعل الجندي الامريكي – مثلاً- يشعر أن وجوده ضروري ومهم لأهل ذلك البلد الذي جاء اليه، فهو المحرر والمنقذ والصديق.
هذا الرصيد الضخم من المعنويات نجدها في بلاد لا تواجه الهجوم المباشر ومخاطر التمزق والانهيار كالذي يعيشه العراق، حيث تعرض العراقيون على حين غرّة، الى صدمة عنيفة هزّت ثقتهم بجيشهم وجنودهم عندما سمعوا بسيطرة عناصر “داعش” على مدينة الموصل خلال ساعات ومن مواجهات عسكرية تذكر.. ومنذ تاريخ العاشر من الشهر الماضي، وحتى كتابة هذه السطور، وربما الى أمد غير محدود، يتابع العراقيون تحركات هذه الجماعة الارهابية، وهم من حيث العدّة والعدد لا يقارنون بالجيش العراقي، واستماتتهم من اجل السيطرة على هذه البلدة او تلك الناحية، ليس في منطقة محددة، إنما في خط عرض مساحة العراق باتجاه الشمال، ابتداءً من مناطق محافظة ديالى شرقاً ومروراً بشمال العاصمة بغداد وسطاً، وحتى المناطق المحسوبة على محافظتي الانبار والموصل.
لا يعنينا الاهداف التي يقاتل من اجلها عناصر “داعش” ويتعرضون انفسهم للموت يومياً. إنما نتساءل بحق، عن الحالة المعنوية لأفراد الجيش العراقي وسائر اصناف القوات المسلحة، وما هي الأهداف والغايات التي يقاتلون من اجلها..؟ هل هو الوطن؟ أم الدين؟ أم المال؟ أم التعصّب للمذهب والعشيرة والجماعة؟ هل كل ذلك معاً..؟! أم لأمر واحد فقط ..؟!.
المعنويات عقدة الجيش العراقي
لو عدنا سريعاً الى الوراء، لوجدنا إن أهم معضلة في الجيش العراقي، كانت “المعنويات” رافقته منذ تأسيسه على يد الجيش البريطاني عام 1920، فقد سبق تأسيسه، الدولة العراقية بحوالي اثني عشر سنة، حيث أعلن عن تشكيل الدولة بشكل رسمي عام 1932، وهذه تشكل مفارقة وربما سابقة في العالم، لذا فان عقيدة الجيش العراقي لم تؤخذ الدولة او الوطن، إنما من السلطة الحاكمة متمثلة آنذاك بالملك فيصل الاول الذي نصبه البريطانيون ملكاً على العراق، ثم تم تشكيل حكومة صورية عام 1920 برئاسة طالب النقيب. وإذن؛ فالولاء للأقوى لا لشيء آخر. هكذا نما وترعرع الجيش العراقي، فكان خير وسيلة للانقلابات العسكرية وقيام أنظمة حكم، ثم في وقت لاحق تحول الى أداة للقمع في عهد حزب البعث، عندما زُج في حرب ضد الكُرد في الشمال، وضد الشيعة في الوسط والجنوب.
ومن ابرز اختبارات الحالة المعنوية لدى الجيش العراقي، هي الحرب العراقية – الايرانية، التي كشفت عن حقائق جمّة في هذا المجال، فرغم أن هذا الجيش كان يُعد في مطلع الثمانينات من أقوى جيوش المنطقة والعالم، من حيث التسليح والتدريب والخبرة والتجارب، ولا ننسى انه ينتمي الى بلد من اغنى البلاد واكثرها ثراءً، وللعلم فقط، فقد تحول التطوع الى الجيش العراقي بين عامي 1979 و1980 الى مصدر رزق ومكسب كبير للباحثين عن فرص عمل، بل شوهد العديد من العاملين في المهن الحرة يتركون اعمالهم ويتوجهون الى الجيش لما يقدمه من رواتب مغرية وامتيازات.
ولم يكن حزب البعث ليغفل عن الجانب المعنوي، فراحت ادبياته تتشدّق بـ “مواجهة الكيان الصهيوني” والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وغيرها من الشعارات البراقة التي غرزت في ادمغة الكثير من العرب، حتى نجح الاعلام البعثي – الصدامي في خلق صورة مفترضة في الاذهان لـ”صدام” حقاً على أنه فارس الاحلام و “بطل القادسية”..! بيد ان منهج المغامرة وعقلية العدوان والفكر البعثي – الشمولي، ثم توافد التوابيت من الحرب بالمئات والآلاف، خلق شعوراً بالعبثية، مما دفع الكثير بمراجعة قناعاتهم واتخاذ قرارات جديدة، وهذا ما تجسّد في ساحات المعارك مع الجيش الايراني، حيث شوهد المئات من الجنود والضباط وهم يسلمون انفسهم ويمتنعون عن القتال مفضلين الأسر على الموت من اجل صدام.
الديمقراطية والرسالة المعنوية المفقودة
ربما لا يختلف معي اثنان، على أن الديمقراطية، كمفهوم وتطبيق عملي على ارض الواقع، بإمكانه ان يكون مادة خصبة وصالحة جداً لخلق وتعزيز الحالة المعنوية لدى افراد القوات المسلحة العراقية في المرحلة الجديدة. فلا ديكتاتورية صدام، ولا شمولية حزب البعث، ولا هواجس المخابرات والقمع الدموي وغير ذلك. إنما اليوم في العراق، الانتخابات والتعددية السياسية ومشاركة مختلف المكونات في الحكم، بغض النظر عن الطريقة والأداء، لان من أهم نتائج هذه التجربة هي الحرية.. وهي مسألة لا يستهان بها مطلقاً، بل هي نعمة عظيمة وانجاز باهر لبلد مثل العراق، لم يتذوق طعم الحرية الحقيقية منذ حوالي قرن من الزمن. وهنالك الكرامة الانسانية كما هنالك القيم والمبادئ السامية التي تبلورت وأينعت ثمارها خلال السنوات الماضية في مناسبات دينية عديدة، بينت للعالم الهوية الحقيقية للشعب العراقي وانه محب للعطاء والخير للآخرين.
كل ذلك، يبدو انه لم يشفع لنا في بلورة حالة معنوية متكاملة في نفس الجندي العراقي وايضاً افراد الشرطة وسائر منتسبي الأجهزة الأمنية. لذا نلاحظ الآن مصاعب جمّة في مواجهة افراد مسلحين بأسلحة خفيفة او متوسطة، وهم مدنيون وغير مدربين عسكرياً إنما ميليشاوياً، وهذا ما عاب عليه الاميركيون تحديداً عندما انتقدوا الحكومة العراقية كونها تمسك بمقاليد أمور الجيش والقوات المسلحة، وخاطبوا المعنيين بالانتقاد اللاذع بهدر الاموال والزمن الطويل دون الحصول على قوات مسلحة كفوءة قادرة على مواجهة عصابات مسلحة. والمثير أن شخصية عسكرية رفيعة المستوى مثل الفريق قاسم عطا، وهو يتسنّم منصب المتحدث باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة، يعترف في حديث صحفي بان الجيش العراقي يواجه “عصابات منظمة وليس جيشاً..”، في اشارة الى “داعش”، كما لو ان التنظيم والتدريب العسكري يليق بالعصابات فقط وليس الجيش..!.
وفي آخر تطور خطير في الميدان، فان هذه العصابات تمكنت من السيطرة على ناحية “الضلوعية” شمال بغداد، وتبعد عنها حوالي تسعين كيلومتراً، وهي الناحية المعروفة بـ “الساخنة” وتقع في منطقة استراتيجية بين بغداد وسامراء وعلى مقربة من قضاء “بلد”. وتفيد الانباء عن مسرح العمليات في القطاعات كافة، أن عناصر “داعش” لا يستقرون في مكان بتاتاً، إنما يواصلون هجماتهم وعملياتهم في الاتجاهات كافة، وهم مستميتين لا يأبهون بشيء، وفي مقابل هؤلاء هنالك افراد يفوقونهم في القوة المعنوية والمادية وهم معبئون بمعنويات عالية لا يفوقها شيء، متمثلين في “الفرقة الذهبية” المختصة بالاقتحامات والعمليات الخاصة والخاطفة، الى جانب التنظيمات المسلحة التي تشكلت في الوسط والجنوب بهدف مؤازرة الجيش العراقي واعطائه زخماً معنوياً مشجعاً. والانباء الواردة من سوح المعارك تشير الى بسالة وتضحيات المتطوعين من مدن الوسط والجنوب في القتال ضد “داعش”، لكن مع ذلك، فان هذا لن يكون الحل الجذري لمشكلة المعنويات في جيشنا وقواتنا المسلحة، وعندما تحل هذه المشكلة ويتعبأ الجندي العراقي بحالة معنوية عالية ترفع قامته الى قمم الجبال، نعرف حينها أننا في أمان تام، ليس فقط من عناصر “داعش” بل من أكبر قوة في العالم.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here