ملتقى النبأ الأسبوعي يناقش : ما بعد الانتخابات وحولها

0
1227

حيدر الجراح

التغيير هو شعار الانتخابات التي لازلنا نسمع اصداء ماكنتها الانتخابية، وهو شعار رفعته الكتل والاحزاب والشخصيات التي شاركت في هذه الانتخابات، وهو ايضا شعار المواطن – الناخب الذي يريد تغييرا في المشهد السياسي وشخوصه. هل الديمقراطية هي عبارة عن صندوق انتخابات لا تمارس الا مرة واحدة كل اربع سنوات، ام انها ثقافة اجتماعية وسلوك يومي يمارسه المجتمع قبل توجهه الى صندوق الانتخابات؟، ما هي حدود السلطات وحجمها التي يتوفر عليها المرشحون والتي يمكن الاستفادة منها في الدعاية الانتخابية؟. ما هو الاصلح للمجتمع العراقي كنظام حكم وادارة، هل هي اللامركزية والتي يعتقد انها تكون كابحا للتفرد بالسلطة وعدم تضخم شخصية الحاكم، اذا ما ترك له الامر ومارس المركزية في ادارته للحكم؟. حول تلك الاسئلة وغيرها دارت احاديث وحوارات المجتمعين في ملتقى النبأ الاسبوعي، والذي تعقده مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام. كانت البداية من احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، الذي استهل الجلسة بسؤال اللحظة الانتخابية وما يترتب عليها لاحقا: هل من حق الناخب على المرشح الذي صوت له ان لايعيد هذا المرشح نفس الاخطاء التي ارتكبها في دورات سابقة؟، وهل يمكن لهذا الناخب محاسبة المرشح على ادائه، أو على تحالفاته التي قد لا تعجب الناخب؟، يعترف جويد، ان مثل هذا الحق لا يمتلكه الناخب العراقي، وهو الذي صوت لمرشحيه نتيجة ميول عاطفية دون النظر الى البرامج العملية التي يمكن تحقيقها بعد الوصول الى قبة البرلمان. عدم الامكانية يرتبط كما يعتقد جويد، بالمركزية كنظام حكم وادارة للعملية السياسية في الحكم، ويرى ان اللامركزية تقترن باذهان الكثيرين بقضايا الخدمات وليس لها علاقة بالقرار السياسي وتفويض السلطات للاخرين. نحتاج الى قوانين مؤطرة للعمل السياسي، يضيف جويد، وهي قوانين لا تتوفر لدينا حاليا، وان توفرت فان الكثير من الخلل والفوضى يصيبها عند التطبيق. حول سؤال التغيير، يأمل جويد، ان الشعارات الثلاثة الرئيسية التي رفعتها اكبر الكتل الشيعية (معا – لن نخون – المواطن ينتصر) يمكن لو صدقت النوايا ان تحدث التغيير المطلوب. يشارك مدير منظمة رؤية للتنمية محمد مصطفى معاش في هذا النقاش، ويسجل خرقا فاضحا مارسته مفوضية الانتخابات فيما يتعلق بسرية البيانات للاشخاص المصوتين، حيث يكشف الكارت الانتخابي مع البصمة والباركود الموجود في البطاقة الانتخابية جميع معلومات الناخب الشخصية، ويمكن للمفوضية او اي جهة سياسية ما ان تعرف هوية الناخب ولمن صوت. وهذا يعد مخالفة لاحد مواد الدستور المتعلقة بالحفاظ على سرية معلومات الناخب. وحول شعار التغيير الذي كثر رافعوه دون محتوى حقيقي له، يرى محمد معاش، ان ما احدثته التسريبات الاولية للنتائج شكل صدمة لمن رفع الشعار وخاصة من المواطنين، مما يؤشر الى اننا بحاجة الى تغيير كبير في برامج عملنا، فالشعارات وحدها لا تكفي، ومما يؤشره محمد معاش، وهو ينظر الى الانتخابات التي جرت في اكثر من بلد عربي او التي ستجري في بلدان اخرى، ان هناك نزوعا قويا للعودة الى الدكتاتورية، وهذه المرة عبر صناديق الانتخابات. في مداخلته حول ما طرح من افكار وتساؤلات، يرى الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، انه حدث استغلال كبير للسلطة في الترويج لقوائم واسماء معينة، وكان هناك انواع متعددة من الترهيب والترغيب مورست بحق الناخبين، ويتفق العرداوي مع الراي السابق حول عدم توفر السرية لبيانات الناخب ولمن اعطى صوته، مما سمح للكثيرين من المتنفذين من ابتزاز هؤلاء الناخبين، والتي يمكن التأكد من تصويتهم للجهة التي ترغب بذلك عبر استنساخ البطاقة الانتخابية. ويؤشر ايضا لانتهاكات عديدة مارسها بعض المرشحين في يوم الصمت الانتخابي، تحت شعار انتخاب قائمة معينة يعد نصرة للمذهب. وحول المركزية يعتقد العرداوي، انها تكون حلا لبناء الدولة وليس كما هو الحال عندنا، اداة لبناء السلطة. واللامركزية الادارية كما يفهمها العرداوي هي توزيع للصلاحيات الادارية، وليس توزيعا للدكتاتورية. ويستشهد بمثل من بعض الوزارات حيث فوّض الوزير صلاحيات عديدة للبعض من اجل توسيع صلاحياتهم، لكن هذا التفويض اقتصر على المحسوبين على جهة معينة، مما ادى بالتالي الى ترسيخ سلطات جديدة بايديهم خدمة لتلك الجهة. يرى العرداوي، اننا لا نمتلك حتى اللحظة عقلية الحكم التي تعمل على بناء الدولة، بل كل جهود العقل السياسي العراقي تنصب على بناء السلطة وترسيخها. وبالتالي فان صاحب السلطة، لا يتوفر على مشروع يقدم خدمات الى المواطن كزبون يبادله تلك الخدمة بصوته في الانتخابات. وحول القوانين التي تؤطر العلاقة مابين الحاكم والمحكوم، واثر ذلك في بناء الدولة، يعتقد العرداوي، ان القوانين توضع لتحقيق معايير العدالة، وهو ما يتوفر عندنا بسبب هذا الكم الهائل من الفساد السياسي والاداري والمالي، وبالتالي فالقوانين عرضة للانتهاك والتجاوز ولا تستطيع الردع، بدءا من الفرّاش الى اعلى موظف في الدولة. يطالب العرداوي بما يسميه (الاعتراف بالخطأ) من قبل السياسيين، ولا تتوفر القابلية على الاعتذار، طالما اننا نجد الناس غير الاكفاء في اماكن السلطة والحكم، يديرون مقاليد الناس وشؤونهم، كما رأينا في عهد النظام السابق، حيث بائع الثلج يصبح نائبا لرئيس الدولة، ونائب العريف يصبح وزيرا للدفاع. ما الذي تحقق للعراق خلال مائة عام مقارنة بنفس الفترة لأوربا وغيرها من الدول؟، يتساءل العرداوي، وهو يرى انها مرت بنفس الظروف من الحروب او الاقتتال او المشاكل الاقتصادية، لكنها خلال تلك الفترة الزمنية نهضت واستطاعت بناء دولها بهذه الصورة المتقدمة، وبقينا نحن نعيد طرح نفس الاسئلة حول شرعية الحكومات والانظمة ومشروعيتها. يلتقط مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، الملاحظة التي ابداها العرداوي حول الصمت الانتخابي، حيث يرى ان طريقة بعض السياسيين في التعامل مع ادوات الحكم، تمنحهم القابلية على تضخيم السلطة، وهي هنا المركزية، التي تميل الى تجميع السلطات والقرار بيد شخص واحد. ويعتقد ان اللامركزية حل جذري لهذا التمركز ومحاولة لتهشيمه، او على الاقل لتضييق نطاقه. فاللامركزية تمنع من تجمع السلطة وادواتها بيد شخص واحد، من خلال تفويض تلك السلطة ولو بمقدار معين للاخرين. صحيح ان للامركزية اخطاءها وعيوبها ايضا، يضيف معاش، الا انها افضل من المركزية، التي تحتوي على الشرور جميعها. لا تقتصر المركزية واللامركزية على السياسة والادارة، كما يعتقد معاش، بل انها تذهب ايضا الى الاقتصاد، ولدينا ثلاث مدارس اقتصادية رئيسية في العالم، وهي مدرسة الاقتصاد المركزي، والتي مثلها اليسار، ومدرسة الاقتصاد اليميني التي مثلها الاقتصاد الحر المطلق، ومدرسة الاقتصاد الوسط التي يمثلها الاقتصاد الحر باشراف الدولة. هذه المدارس الاقتصادية، تتصارع فيما بينها، الا ان جميع المؤشرات تشير الى توجه عالمي نحو الوسط، وهي تقابل اللامركزية، في ادارة الموارد وتوجيهها داخل المجتمع. يعتقد معاش، اننا يمكن لنا ان نمارس التغيير، اذا اصبحت تطلعات الناس اكبر مما عليه الان، واذا استطاع هؤلاء الناس ان يرفعوا من سقف مطالبيهم الى الحدود العليا، تماشيا مع ما تؤكد عليه ادبيات حقوق الانسان، والتي تريد للمواطن ان يصل الى الرفاهية وليس نيل الحقوق الاساسية فقط. حول نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة، يعتقد معاش انها محكومة بعاملين، داخلي يتعلق بالتوافق بين الكتل والاحزاب، وخارجي يتعلق بسرعة تشكيل الحكومة والذي تؤكد عليه امريكا. في مداخلته يرى الدكتور علي ياسين التدريسي في جامعة كربلاء، ان اللامركزية قد ارتبطت بالنظام الرأسمالي عبر اكثر من صورة وتوجه. على العكس من مجتمعاتنا وانظمتنا، التي تميل الى المركزية لعدم تجذر اللامركزية، ويرى ياسين، ان الاشتراكية وليس الاقتصاد الحر هي النظام الحاكم في مجتمعاتنا، لاننا لازلنا دول ريعية تنفق على مواطنيها وتوظفهم في الاعمال الحكومية. ويعتقد ياسين، ان الديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط، يمارس الناخب تجربته من خلالها كل اربع سنوات، بل ثقافة اجتماعية تترسخ عبر السلوك اليومي، وهو ما نفتقد اليه حتى بعد مرور اكثر من عقد على سقوط النظام السابق، وسبب ذلك يعود الى قلة الوعي المجتمعي بالديمقراطية ومتطلباتها. في ختام المداخلات يرى الباحث احمد المسعودي، ان المشكلة الرئيسية في ما آلت اليه اوضاعنا هي في فكر المسؤول، الذي يصل الى منصبه وهو محاط بمشاعر الخوف على هذا المنصب من ان يتنازعه الاخرون وينزعوه منه، وبالتالي فهو يميل الى ضرب كل خصومه الحقيقيين او المتوهمين، للحفاظ على منصبه، ويكون الخاسر الاكبر في هذا الصراع المرافق للصعود والبقاء، هم المواطنين. ويرى المسعودي، ان كل مسؤول او سياسي عراقي، هو نتاج لمجتمعه، وهذا المجتمع يساهم مساهمة كبيرة في صعوده وتمكنه، بسبب ثقافة اجتماعية وسياسية حاكمة لتوجهاته، وهي احترام القوة وتبجيل الاشخاص الاقوياء.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here