الامن الغذائي المفقود… من الهدر العشوائي وارتفاع أسعار الغذاء الى نفاد المحاصيل

0
938

يتخوف الخبراء من عالم مليء بالبطون الجائعة وسط ارتفاع مؤشرات القلق من نقص الغذاء العالمي مع نقص الامطار وارتفاع نسب الجفاف والأراضي غير الصالحة للزراعة، إضافة الى عوامل أخرى ساعد الانسان على وجودها كالحروب وسوء إدارة الثروات والإهمال والاسراف وغيرها.AD58BCE2-6AB1-4096-981A-6D2BCA2DB49B_mw1024_n_s

ان الامن الغذائي يأتي في اول سلم الأولويات الحكومية والعالمية، بالمقابل فان نسب الاستهلاك بدلاً من الإنتاج في تصاعد مستمر، الامر الذي يعكس الخشية من ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وشحتها في ذات الوقت، وقد قدمت العديد من الأبحاث والدراسات في هذا المجال والتي انبئت بتفاقم الازمات الغذائية في العقود القادمة في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه في الوقت الراهن.

يذكر ان أي ارتفاع في اعداد السكان المتنامي، من دون ان يقابله زيادة إنتاجية وخطط استراتيجية لتأمين الغذاء عالمياً، قد يأتي بنتائج عكسية، كما يؤكد خبراء الغذاء والمختصون في الامن الغذائي.

فقد قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إنه يتعين على العالم زيادة انتاجه الغذائي بنسبة 60 في المئة بحلول منتصف القرن لتجنب خطر النقص الشديد في الغذاء الذي قد يثير اضطرابات اجتماعية وحروبا أهلية، وقال هيرويوكي كونوما المدير العام المساعد للمنظمة في منطقة آسيا والمحيط الهادي لدى تدشين المنظمة لمؤتمر اقليمي بشأن الأمن الغذائي في العاصمة المنغولية اولان باتور إن الطلب على الغذاء سيرتفع سريعا خلال العقود القليلة القادمة مع تجاوز عدد سكان العالم تسعة مليارات نسمة وتحسن الأنظمة الغذائية مع تزايد الثراء.

لكن مع تزايد الحاجة لمزيد من الغذاء ينخفض انفاق العالم على البحوث الزراعية وهو ما دفع كثيرا من العلماء للتشكيك في إمكانية أن يجاري انتاج الغذاء نمو الطلب عليه، وقال كونوما “إذا فشلنا في تحقيق هدفنا وحدث نقص في الغذاء ستظهر مجددا

مخاطر الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والحروب الأهلية والإرهاب وقد يتأثر أمن العالم برمته”، وأضاف أن التحدي ملح بشكل خاص في الدول النامية التي تحتاج لزيادة محاصيلها بنسبة مذهلة تبلغ 77 بالمئة، وتابع قوله إن أكثر من نصف مليار شخص سوف يقعون فريسة للجوع المزمن في منطقة آسيا والمحيط الهادي حتى إذا أنجزت المنطقة أهداف الألفية للتنمية الرامية لخفض نسبة الفقراء إلى 12 بالمئة من السكان.

وبرغم التقدم في مكافحة الفقر عالميا لا يزال نحو 842 مليون شخص في العالم يعانون من سوء التغذية وفقا لمنظمة الفاو يعيش نحو ثلثيهم في منطقة آسيا والمحيط الهادي، ويعاني واحد من بين كل أربعة أطفال تحت سن الخامسة من ضعف النمو بسبب سوء التغذية، وحددت الفاو خيارين رئيسيين هما زيادة مساحة الأراضي القابلة للزراعة وتعزيز معدل الإنتاجية، لكن الأراضي القابلة للزراعة المتاحة مستغلة بالكامل تقريبا كما تباطأت معدلات نمو الانتاج خلال العقدين الماضيين. بحسب رويترز.

وخلال الثورة الخضراء في الثمانينات زادت انتاجية الأرز والقمح 3.5 بالمئة سنويا لكن المعدل انحصر بين 0.6 و0.8 بالمئة خلال العشرين عاما الماضية، وقال كونوما إنه يبنغي أن يستقر معدل الانتاج عند نحو واحد في المئة حتى تكون هناك فرصة نظريا أمام العالم لتجنب حدوث نقص خطير، ويتدهور الأمن المائي في دول كبيرة منتجة للغذاء مثل الصين وينجذب كثير من المزارعين للتحول من انتاج الغذاء إلى انتاج الطاقة الحيوية وهو خيار يحظى بالقبول لخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تتسبب بدورها في التغير المناخي.

ويتدهور الوضع بسبب تغير المناخ حيث تؤدي الأحوال الجوية السيئة إلى تدمير المحاصيل. ففي الأعوام الثلاثة الماضية منيت كل من أستراليا وكندا والصين وروسيا والولايات المتحدة بخسائر كبيرة في المحاصيل بسبب الفيضانات وموجات الجفاف، وتقول الفاو إن الأسعار تهديد آخر للأمن الغذائي حيث يحد ارتفاع وتقلب أسعار الغذاء من قدرة الفقراء على الحصول على الغذاء في حين يتسبب ارتفاع أسعار النفط في تضخم تكلفة الانتاج.

بدوره قال البنك الدولي في تقرير اصدره مؤخرا إن العالم يفقد أو يهدر ما نسبته 25 إلى 33 بالمئة من الغذاء الذي ينتجه للاستهلاك، وقال رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم “كمية الغذاء الذي يهدر ويفقد عالميا يبعث على الشعور بالخزي، وفي المناطق التي يتفشى فيها نقص التغذية مثل أفريقيا وجنوب آسيا فان فاقد الغذاء يعادل 400 إلى 500 سعر حراري للفرد يوميا في حين يصل في العالم المتقدم الي 1520

سعرا حراريا، وقال البنك الدولي إن الحبوب تشكل اكثر من نصف اجمالي الغذاء المفقود او المهدر او ما نسبته 53 بالمئة قياسيا بالسعرات الحرارية بينما من حيث الوزن تشكل الفاكهة والخضراوات الحصة الاكبر من الغذاء المفقود او المهدر عالميا.

ويحدث غالبية فقد وهدر الغذاء في مراحل الاستهلاك والانتاج والتسليم والتخزين في السلسلة الغذائية لكن بنسب متفاوتة بين مناطق العالم، ففي أمريكا الشمالية يحدث 61 بالمئة من هدر الغذاء في مرحلة الاستهلاك، على سبيل المثال شراء الغذاء وتركه يتعفن في الثلاجات، وفي الدول جنوبي الصحراء الافريقية يفقد 5 بالمئة فقط من الغذاء في مرحلة الاستهلاك بينما كميات هائلة من الغذاء تهدر في مرحلة الانتاج والتصنيع.

جفاف الشرق الأوسط

الى ذلك يقول خبراء بالأمم المتحدة ومتخصصون في علم المناخ إن أجف شتاء تشهده منطقة الشرق الأوسط في بضعة عقود ربما ينذر بارتفاع أسعار الغذاء العالمية مع نفاد المحاصيل المحلية وتأزم سبل العيش للمزارعين، وبدرجات متفاوتة أصاب الجفاف نحو ثلثي الأرض الصالحة للزراعة والمحدودة أصلا في سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية والعراق، وقال محمد حسين المتخصص في الاقتصاد البيئي بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) “إذا نظرنا إلى المئة سنة الماضية فلا أعتقد أننا سنجد خمسة أعوام متتالية شهدت مثل هذا الجفاف”.

وأضر الجفاف بالفعل بمحاصيل الحبوب في مناطق في سوريا وبدرجة أقل العراق، وبعض الدول المتضررة من الجفاف هي بالفعل من كبار مشتري الحبوب من الأسواق العالمية، قال ناقد خميس خبير البذور والاستشاري بالفاو “عندما تجد الجهات المسؤولة عن استيراد السلع الغذائية الأساسية نقصا في الإنتاج ستتجه إلى الأسواق الخارجية حيث سيدفع الطلب الزائد بلا شك أسعار الغذاء العالمية للارتفاع”، ويظهر مؤشر المطر أن المنطقة لم تشهد نقصا في مياه الأمطار على هذا النحو منذ عام 1970 على الأقل.

وقال حسين إن هذا جزء من النتائج الأولية لدراسة فنية مشتركة عن إدارة مخاطر الجفاف أجرتها عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة منها الفاو وبرنامج التنمية ومنظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو) ومن المقرر نشرها هذا الشهر، وقال خبراء في علم المناخ ومسؤولون إن السلطات المسؤولة عن المياه والزراعة إضافة إلى وكالات

الأمم المتحدة المتخصصة بدأت إعداد خطط للإعلان رسميا عن حالة جفاف في الشرق الأوسط تمتد حتى المغرب وجنوبا حتى اليمن.

وقال محمد الخولي خبير الموارد الطبيعية في مؤسسة بلانينك الاستشارية الدولية المتخصصة في الدراسات الجيولوجية بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إن الجفاف يزداد حدة في أجزاء من شرق البحر المتوسط والعراق في حين يضرب بقوة سوريا مجددا بعد بضع موجات جفاف في العقود الأخيرة، وفي الأردن -وهو واحد من عشر دول تواجه أسوأ نقص للمياه في العالم- قال وزير المياه والري حازم الناصر إن هذه أسوأ مستويات لسقوط الامطار منذ بدء عملية التسجيل قبل 60 عاما.

ويقول مسؤولون إنه حتى بعد العاصفة الثلجية القوية المفاجئة التي اجتاحت المنطقة في منتصف ديسمبر كانون الأول كانت سدود المملكة ممتلئة بنسبة 42 في المئة فقط انخفاضا من 80 بالمئة العام الماضي، وفي لبنان حيث جرد التغير المناخي منحدرات الجبال من الثلوج المطلوبة لإعادة ملء آبار المياه الجوفية قال فادي أسمر استشاري الأنظمة البيئية الذي يعمل مع وكالات تابعة للأمم المتحدة إن معدل سقوط المطر “أقل كثيرا من المتوسط”.

وأضاف قائلا إن الضغط على موارد المياه بسبب الإسراف في الاستخدام زاد مع وجود ما يقرب من مليون لاجئ مسجل منذ بدء الصراع في سوريا عام 2011، وإسرائيل هي الوحيدة التي لا تواجه مشاكل حادة وذلك بفضل استثماراتها الطويلة الأجل في محطات تحلية المياه وتقنياتها الرائدة في إدارة المياه، وفي العراق وسوريا -حيث أغلب الأراضي لا تصلح للزراعة- سيزيد الصراعات الاهلية وعدم توافر منشآت كافية لتخزين المياه من الصعوبات التي تواجهها المجتمعات الريفية المعتمدة على زراعة المحاصيل وتربية الماشية.

وتظهر الدراسات الميدانية المستندة إلى الأمم المتحدة أن ما يزيد على 30 في المئة من الأسر في العراق وسوريا وبدرجة أقل في الأراضي الفلسطينية والأردن مرتبطة بالزراعة، وقال حسين “إنتاج المحاصيل آخذ في الانخفاض بسبب الجفاف، لذا نلمس الآن تأثرا في حياة الكثيرين في هذه الاقتصادات الزراعية الرعوية”، وفي العراق الذي كان يتباهى يوما بامتلاك أكبر مساحات من الأراضي الخصبة في المنطقة، لم تمض سوى ثلاث سنوات فقط على انتهاء آخر دورة جفاف كبرى والتي أثرت على أكثر من 73 بالمئة من البلاد.

وتشير مقتطفات من دراسة تشرف عليها الأمم المتحدة ومن المنتظر نشر نتائجها قريبا إلى أن الجفاف في العراق سيستمر وستزيد شدته في الفترة من 2017 إلى

2026 مما يزيد من اعتماده كواحد من أكبر مستوردي الحبوب في العالم على واردات الغذاء الأجنبية، وتقول المقتطفات أن تركيا -التي تنبع منها معظم موارد العراق وسوريا من المياه- خفضت كمية المياه المتدفقة إلى نهري دجلة والفرات من خلال إقامة سدود لتلبية حاجاتها المحلية المتزايدة من الماء.

فيما يقول خبراء في الزراعة بسوريا إن ضعف الأمطار في البلاد أثر بالفعل على إنتاج القمح المتوقع في 2014 بالمناطق الرئيسية المعتمدة على الأمطار في شمال شرق البلاد والمفترض أن تكون جاهزة للحصاد في يونيو حزيران ويوليو تموز، ويشير الخبراء إلى أنه حتى إذا هطلت أمطار وفيرة في مارس آذار فإن ذلك لن ينقذ محصول الحبوب المعتمد على المطر والذي أهب الزراع أنفسهم بالفعل على استخدامه علفا للماشية، ومن المتوقع أن يزداد تقلص إنتاج المحاصيل في ذلك البلد الذي كان يتباهى ذات يوم بوفرة محصول القمح.

ويعتمد إنتاج القمح في سوريا الآن على المناطق المروية بمياه نهر الفرات والمياه الجوفية والتي كانت لا تمثل قبل 2011 أكثر من 40 في المئة من إجمالي الإنتاج السنوي، وقد يقلص الجفاف والصراع إنتاج القمح الإجمالي في سوريا إلي أقل من ثلث المحصول قبل تفجر الأزمة والذي بلغ حجمه نحو 3.5 مليون طن بحيث يزيد قليلا عن مليون طن في 2014. ويقول خبراء بالزراعة إن أفضل تقديرات لمحصول العام الماضي لم تتجاوز مليوني طن، ويعزو بعض الخبراء في سوريا ارتفاع أسعار الغذاء الذي فاقم التوترات الاجتماعية ومن ثم أشعل شرارة انتفاضة 2011 إلى الجفاف الذي بلغ ذروته خلال عامي 2008 و2009 لكنه امتد حتى 2010، ويتوقع خبراء بالشرق الأوسط المزيد من دورات الجفاف المتكررة في السنوات القادمة مصحوبة بتأخر مواسم المطر في الشتاء وهو ما سيلحق ضررا بالفاكهة من خلال الإزهار السابق لأوانه ويمنع محاصيل الحبوب من النمو بشكل كامل، وقال فادي أسمر “دورات التغير المناخي أقصر الآن وهو ما يعني في النهاية، أمطارا أقل ودورات جفاف أكثر تكرارا”.

ظاهرة النينو

الى ذلك يحتمل على نحو متزايد ان تعود ظاهرة النينو المناخية التي تؤدي الى الجفاف في بعض مناطق العالم في حين تسبب فيضانات في مناطق اخرى هذا العام لتضر بذلك بانتاج محاصيل غذائية رئيسية مثل الارز والقمح والسكر، وتزيد ظاهرة النينو وهي كلمة اسبانية تعني ولد من ارتفاع درجة حرارة سطح البحر في المحيط الهادي وتحدث ما بين كل اربع الى 12 عاما. وتم تسجيل اسوأ موجة من هذه

الظاهرة في اواخر التسعينات حيث اودت بحياة الفي شخص وتسببت في دمار قدرت قيمته بمليارات الدولارات.

وفي حال كانت ظاهرة النينو قوية فإنها قد تؤدي الى ذبول محاصيل في استراليا وجنوب شرق اسيا والهند وافريقيا في حين تشهد مناطق اخرى من العالم مثل الشرق الغربي للولايات المتحدة والبرازيل هطول امطار، وفي حين مازال العلماء يتناقشون حول شدة النينو حذر مكتب الارصاد الجوية الاسترالي والمركز الامريكي للتوقعات المناخية من تزايد فرص ضرب هذه الظاهرة للأرض مرة هذا العام.

وقالت المنظمة العالمية للإرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة الشهر الماضي ان هناك “احتمالا كبيرا” لوصول موجة ضعيفة من ظاهرة النينو منتصف العام الجاري، وقالت فانيسا تان محللة الاستثمارات في فيليب فيوتشرز بسنغافورة ان “العالم مستعد لوصول ظاهرة النينو التي في حال تأكدها يمكن ان تنزل الخراب على الامداد وتؤدي الى ارتفاع الاسعار بصورة جنونية”، واي قطع للإمداد سيكون في نفس الوقت الذي تضررت فيه العديد من المحاصيل بالفعل جراء الطقس غير الملائم حيث ان النصف الشمالي من الكرة الارضية في قبضة شتاء قارس.

فيما دعت دول أوروبية وفي شمال افريقيا إلى مزيد من التنسيق لتجنب الأزمات الغذائية في المستقبل لاسيما في امدادات الحبوب في منطقة البحر المتوسط، ويتعين على دول شمال افريقيا تخصيص ميزانيات ضخمة لواردات الغذاء وتواجه خطر الاضطراب الاجتماعي إذا ارتفعت الأسعار العالمية أو إذا لم تتمكن من تلبية الطلب من سكانها، وفرنسا منذ سنوات هي المورد الرئيسي للحبوب لاسيما القمح إلى الجزائر والمغرب، وقال وزير الزراعة الفرنسي ستيفان لو فول في اجتماع بالعاصمة الجزائرية “هناك حاجة إلى شراكة بين اوروبا ومنطقة البحر المتوسط، السياسات الزراعية ينبغي أن تكون جزءا من التعاون مع أوروبا”.

وأدلى لو فول بالتعليقات خلال اجتماع لوزراء الزراعة في الدول أعضاء المركز

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here