توظيف الرموز الدينية في الانتخابات والنتيجة العكسية

0
1361

الرموز الدينية في العراق، وفي كل مكان، لها مكانة في النفوس، متمثلة في شخصيات او اماكن لها قدسية خاصة تكوّن جزءاً كبيراً من الهوية الثقافية للمجتمع، لذا من يريد اقامة جسور العلاقة مع هذا المجتمع، يكون عليه المرور عبر هذه النقطة الحساسة والمهمة ويأخذها بنظر الاعتبار، من حيث الاحترام والتقدير والتفهّم. وتحقيق النجاح او الفشل في تحقيق هذه العلاقة مرهونٌ بطريقة التعامل مع هذه النقطة. والتجارب خير دليل على ذلك.

بيد ان البعض لا يكتفي بهذا القدر من الالتزام ببنود العلاقة المحترمة مع المجتمع، انما يحاول التوقف عن نقطة التقديس والاستفادة منها اكثر لكسب المزيد من التأييد والتحشيد الجماهيري. وهذا ما نلاحظه جليّاً من بعض السياسيين عندما تحين ساعة الانتخابات والتنافس المحموم على الظهور.

ظاهرة التعكّز على أسماء المعصومين من أهل البيت عليهم السلام، او المراقد المقدسة، وايضاً اسماء بعض الشخصيات ذات القدسية والاحترام في نفوس الناس، ليست جديدة في الساحة السياسية العراقية، فالعامة من الناس، وخلال سني التجربة الديمقراطية، لم يروا شيئاً من انجازات الساسة والطامحين الى الحكم، ولم يتعلموا منهم درساً او عبرة تفيدهم في حياتهم، لاسيما وان الكثير منهم يدّعون الانتماء الى مدارس فكرية وثقافية اسلامية، انما كان هؤلاء يتحدثون بلغة خاصة يفهمها هم فقط..!. وهذا ما جعل الناس يتمسكون بالرموز الدينية البعيدة عن الطموحات السياسية، وتتحدث معهم بلغة تلامس واقعهم وتستجيب لحاجاتهم النفسية والروحية وحتى المادية. وهذا يفسر دائماً ظاهرة التوافد باعداد مليونية متزايدة كل عام على كربلاء المقدسة لزيارة مرقد الامام الحسين، عليه السلام، حيث نلاحظ الناس يبثون شكواهم ومعاناتهم بعد ان وجدوا الآذان غير الصاغية من اشخاص يرونهم امامهم كل يوم وهم يتمتعون بكل الامكانيات والقدرات.

وعندما نكون على اعتاب الدورة الرابعة للانتخابات البرلمانية في العراق، ونشهد التعكّز على صور لرموز مقدسة لدى الناس، فهذا يعطينا الدليل البرهان من نفس الشخص او الجهة الطامحة في السباق الانتخابي، بانها عاجزة عن الوصول الى قلوب ونفوس الناس، كما وصل اصحاب تلك الصور والاسماء الى حد التقديس

والاحترام والتبجيل. وربما يكونوا في صف واحد مع أولئك الذين يتعكّزون على امكاناتهم المادية ونفوذهم في السلطة، ويحاولون الاقتراب الى الناس من خلال قضاء حوائجهم الملحّة مثل السكن وفرص العمل وغيرها. بل ربما يكون رد الفعل الجماهيري على هذه الخطوة المتأخرة من المرشحين والطامحين فيما يتعلق بالجانب الديني والمعنوي، اكثر وأخطر، مما يتعلق الامر بالمنح المالية وقطع الاراضي وفرص العمل، اذ قد يعدها الكثير حقٌ مشروع وصل الى اصحابه، وان كان في وقت متأخر. وهذا لا يمكن مقارنته مع المشاعر الدينية للناس التي يعيشونها طيلة ايام السنة وطوال حياتهم.

ان المفاهيم المقدسة لدى الناس ليست كالحاجات المادية التي قد تلبى اليوم او غداً، انما هي شجرة “أصلها ثابت وفرعها في السماء” بحاجة الى إرواء ورعاية حتى تكون مورقة ومخضرة في النفوس، أما ان يتذكر المرشح او الكيان السياسي فجأة هذه “الشجرة” والمشاعر الدينية المقدسة خلال الحملة الانتخابية، فانه يؤشر الى أمرين او اكثر: الاول: القصور في النشاط الديني طيلة ايام السنة، فليس ثمة مانع امام أحد من تشكيل تجمعات او تنظيمات او عقد منتديات او حتى ورش عمل تعني بالشباب والمرأة الطفل، تبحث في شؤون الثقافة والتربية والمهارات الفردية والمهن وغيرها. كل ذلك يندرج بلا شك ضمن الافكار والمناهج الموجودة في سيرة أولئك الذين يحظو بالقدسية في نفوس الناس. ولعل المرشحين من ذوي العلم والمعرفة، لا يجهلون الإرث الذي تركه لنا أهل البيت، عليهم السلام، وايضاً علماء الدين الذين ساروا على نهجهم.

الامر الآخر: نشوء حالة التشكيك بشرعية هذا الاستخدام والتوظيف لبعض الاسماء، فلم يصدر أي تخويل او ما يشبه الموافقة على استخدام صور واسماء هؤلاء في الحملة الانتخابية.

ومع فرض الموافقة، يبقى الاتزان والمتانة العلامة الفارقة لكل مرشح وطامح للفوز في الانتخابات، ربما يكون احدهم مدعوماً ومسنوداً من مرجعية دينية او شخص معروف، بيد انه يفضّل الاعتماد على رصيده الخاص من المحبوبية والمقبولية لدى الناس ليعرف حجم تأثيره ومكانته في النفوس، وبهذا المقياس يتمكن ليس فقط من التعرف على حظوظه في الفوز، بل وفي التخطيط الناجح والمتكامل لما سيفعله في حال حصل مقعد في مجلس النواب او اصبح وزيراً وبيده مصائر الناس وحاجاتهم.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here