كيف تنجح فكرة في الحياة؟

0
1333

الشهيد السيد حسن الشيرازي

1ـ إن كلمتك قوية، فكن واثقاً منها:
يكفيك أن تقول: (الله)!
يكفيك أن تزرع كلمتك في المختبر وتتركها تنمو وتنشر على غيرها بمقدار ما لها من ذاتية، وينحسر غيرها عن طريقها بمقدار ما يفتقر إلى الذاتية.
يكفيك أن تطرح كلمتك في سوق الفكر، وتدعها تتصارع وتتغلب. فقل – أنت – كلمتك، وامش. فكلمة الله قوية، لا تحتاج إلى أن تضفي قوتك عليها لتنتصر، فتلح على الناس بقبولها. فهي ليست كالكلمات العجفاء، التي لا تستطيع الحراك، وتكتسب حرارتها من حرارة قائلها.
وهذا.. شأن كل من كان مؤمناً بقوة فكرته، فهو لا يلح على تنفيذها، وإنما يكتفي بإعلانها. بخلاف من كان عارفاً بضعف فكرته، فهو يلح على تنفيذها، لأنه يعلم أنها بدونه تنهزم.
2ـ إن كلمتك ليست ترفاً ولا عبثاً، وإنما هي حياتية، تحاول تطوير سلوك الناس أفراداً ومجتمعات. وكل كلمة حياتية – مهما كانت قوية – لا يمكن أن تمتلك الآفاق فور إطلاقها، وإنما تستهلك: مساحة زمنية قبل أن يطمئن إليها المجتمع، ومساحة زمنية قبل أن تنتصر في الصراع الذي هو طبيعي في كل تغيير.
فللناس مصالح يحرصون عليها، والأفكار الرئيسة في المجتمع تنظم مصالح الناس في مجاري معينة، ونقل تلك المصالح من مجاريها المألوفة إلى مجاري جديدة لا يكون إلا بعد التأكد من أنها أيسر من المجاري السابقة. وهذا التأكد لا يحصل إلا بعد تجارب عديدة متشابهة في الإنتاج، ولتكن التجارب كلها ناجحة ومتشابهة في الإنتاج – كما هو واقع تجارب الحق -، ولكن جريان تلك التجارب على أرضية الأفراد وفحص الآخرين لها يستهلكان مساحة زمنية.
وعندما اطمأن المجتمع إلى فكرة: يتسارع أصحاب المصالح الخفيفة إلى التحمس لها بدافعين، دافع الإيمان بالفكرة، ودافع التحول من نقطة ضعف إلى نقطة قوة. بينما يتلكأ أصحاب المصالح الثقيلة للاطمئنان أكثر.. فأكثر.. وحتى يحصل لهم ذلك الاطمئنان، يحاربون الفكرة الجديدة، ويكيل لهم المؤمنون بها الصاع صاعين: صاع المصلحة الجديدة وصاع الثأر على ما عانوا من أولئك قبل تقويهم بالفكرة الجديدة. وهذا الصراع يستهلك مساحة زمنية، قبل أن ينهزم أصحاب المصالح الثقيلة، أو يطمئنوا إلى الفكرة الجديدة فينضووا تحتها.
فعلى أصحاب الأفكار الجديدة – إذا كانوا واثقين منها – أن لا يركضوا خلفها لاهثين، وإنما يكفيهم إطلاقها بصوت جهوري مفهوم للجميع. ثم: يعتزلوا: حتى يفحصها الناس، ويؤمن بها فئة، وينشب بينها وبين الفئات الأخر صراع، ويمر الصراع – طبيعياً، وبأقل التضحيات – ريثما يتم نقل المصالح من مجاريها المألوفة إلى المجاري التي تشقها الفكرة الجديدة. ثم: يعودوا، لقيادة الناس بتوجيه الفكرة.
وهكذا.. فعل النبي الأكرم – وقد جاء بالإسلام – يوم هاجر إلى (الشعب)، ويوم هاجر إلى (الطائف)، ويوم هاجر إلى (المدينة المنورة). غير أن جذرية الإسلام، أدت إلى عسر ولادة القناعة في النفوس، فأحوجته إلى هذه الهجرات.
وهكذا.. فعل أمير المؤمنين – وقد جاء بفكرة التركيز – يوم اعتزل (الخلافة) خمساً وعشرين سنة.
وإذا استعجل صاحب الفكرة، فإنه لا يستطيع طي الزمان، وإنما يمر كل شيء في مجراه الطبيعي. وهو – وحده – الذي يدفع الثمن: من مجتمعه، إذا كان في موقع قوة، حيث يضحي بالكثير منه. ومن نفسه، إذا كان في موقع ضعف، فيبعد أو يسجن أو يقتل… حتى يتم نقل المصالح تدريجاً، وكما لو لم يستعجل.
وبصيغة ثانية:
إن اعتراف أي مجتمع من المجتمعات، بفكرة حياتية، يتوقف على توفر أربعة عوامل على النحو التالي:
1- الإيمان بالفكرة، من قبل عناصر من صميم ذلك المجتمع.
2- الثقة في سلامة القرار بتنفيذ الفكرة، بمعنى الثقة بالقيادة المتولية لتنفيذ الفكرة.
3- الثقة في المنفذين، بوجود أجهزة مقتدرة تملك حمل القرار من القيادة، لوضعه على الواقع الذي يسعى إلى تغييره.
4- التطابق بين ثقل الفكرة وحجم القدرة، بأن تكون العناصر المكلفة بالتغيير قادرة – بالفعل – على التغيير، بالإمكانات أو بالتضحيات.
أما تكليف مجتمع من المجتمعات، بتنفيذ فكرة تفوق طاقاته، يعني تحويل الكفاح إلى عملية إهدار للطاقة، واستنزاف لوسائلها، لتحقيق هزيمة. فإذا أراد مجتمع من المجتمعات، تنفيذ فكرة تبدو – للوهلة الأولى – ضخمة وهائلة، فإن عليه – قبل كل شيء – طرح الشعور بالعجز، والتحول من نقطة المواجهة، لتفتيت جبهة العدو إلى جبهات، والكر عليه من نقطة ضعف.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here